الخميس، 2 نوفمبر 2017

الدين الإسلامي ... إيمان حقيقي أم قناع يخفي العيوب ؟!





يفسر المسلمون القميص أو الثوب إذا رءاه شخص ما في الحلم بأنه الدين، فإذا رأى شخص نفسه في الحلم يلبس قميصاً أو يخلعه فمعنى ذلك إنه ينسلخ عن دينه أو يكتسب ديناً وتقوى...
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري: " قالوا : وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه، والأصل فيه قوله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير)
".
ثم يقول في نفس الموضع :" واتفق أهل التعبير على أن القميص يُعبّر بالدين"
أي أن هذا التعبير متفق عليه بين علماء الإسلام ومستنده الحديث الذي يقول فيه محمد : "بينما أنا نائم؛ رأيت الناس يُعرَضُونَ عليّ وعليهم قُمُصٌ؛ منها ما يَبْلُغُ الثَّديَّ، ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك؛ فعُرِضَ عليَّ عُمَرُ وعليه قميص يَجُرُّه"ُ، قالوا: "فما أوّلتَهُ يا رسول الله؟! "، قال: "الدِّين". (1)
وهذا مؤشّر على معنى الدين في الإسلام، وما هي وظيفته الإجتماعية وحقيقته وهدفه في حياة المسلم، وبما إن الأحلام لغة العقل الباطن فإن المسلم بطريقة لا واعية ينظر إلى الدين كستار أو قناع يخفي العورات (العيوب)، فالدين الإسلامي يركز على الظاهر " والله يتولى السرائر"، ولذلك يقول محمد:
"من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله عز وجل". (2)
وهذا تشجيع صريح على التستّر "بستر الله" على جرائم الفسق والفجور ، بحيث يصحّ للمسلم أن يعيش حياة مزدوجة بين الورع في الظاهر والفجور في السرّ ، وهذه الظاهرة تجعل المصلحين الإجتماعيين يعجزون عن معالجة ما يدور في العائلات المسلمة من تحرش وفجور خفيّ، فنسمعهم يقولون مثلاً :" إن المسلمين يحاولون دفن عيوبهم وأخطائهم تحت سجّادة الصلاة ويظنون ذلك كافياً لمعالجتها".....





ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما ورد في مسند أحمد إنّ رجلاً أتىِ عمر فقال إنّ امرأةً جاءت تبايعُه، قال :"فأَدخلتُها الدَّوْلَج (يقصد المخدع)َ فأصبتُ منها ما دون الجماع؟"، فقال عمر: "ويحكَ، لعلَّها مُغيبٌ في سبيل الله؟" (يعني إنها زوجة مجاهد في سبيل الله) ، قال:" أَجَل"ْ، قال: "فائت أبا بكر فاسأله"، قال: "فأتاه فسأله؟"، فقال: "لعلَّها مُغيبٌ في سبيل الله؟" ، قال: فقال مثلَ قول عمر، ثم اتَى النبي فقال له مَثلَ ذلك، قال: "فلعلها مُغيبٌ في سبيلَ الله؟ "، ونزل القرآن: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" إلي آخرِ الآية فقال: "يا رسول الله، ألي خاصةً أم للناسَ عامةَ؟"، فضرب عمرُ صدرَه بيده فقال:" لا، ولا نَعْمَةَ عَيْنٍ، بل للناس عامةً" ، فقال رسول الله : "صدَق عمر". (3) .. وفي سنن أبي داود نفس الحديث وإن عمر قال للرجل :" قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك" (4) ..
ولا غرابة في ذلك فكل ما دون الجماع داخلٌ في معنى اللمم، واللمم لا يحتاج إلى التوبة حسب كلام القرآن :"الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ، إنّ ربك واسع المغفرة" .... فهذا اللمم تطهّره الصلوات المفروضة من دون حاجة إلى استغفار كما في صحيح مسلم عن محمد قوله: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّراتُ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"... وفي جميع الحالات تبقى المطالبة بستر المعاصي من لب السنّة المحمدية ، حيث يقول محمد :" كلُّ أمّتي معافى إلا المجاهرين،  وإنّ من المجاهرةِ أن يعمل الرجلُ بالليلِ عملاً، ثم يُصبحُ وقد سترهُ الله، فيقول: يا فلان عملتُ البارحةٙ كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبحُ يكشف ستر الله عنه" (رواه البخاري ومسلم)...
يصدق أن يقال عن الإسلام إنّه "دين الظاهر والقشور" لأنه لا يولي للباطن اهتماماً ... فالظاهر كافٍ للحكم على الاشخاص .. إذا رأيتم الشخص "يعتاد المساجد .. فاشهدوا له بالايمان" .... و "رفع عن أمتي ما حدثت به أنفسها" ... "نحن نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر" ..... الخ من المقولات التي تنتشر على ألسنة المسلمين وتترجم حقيقة الإسلام...
حتى الإيمان بالله فالحكم عليه بالظاهر ولا عليك بما يعتمل في صدرك من وساوس... بل قد تكون في قمة إيمانك وأنت في سرك تسب الله ورسوله ... انظر الى محمد كيف يجيب صحابته حين صارحوه بما يعتمل في صدورهم من الشكوك والوساوس التي لا يستطيعون البوح بها أمام الناس... ولعلهم شكّوا في ألاعيب نبيهم المزيف ... فقالوا له: "إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به".... فيردّ عليهم محمد متسائلاً :" وقد وجدتموه ؟!"... وكأنّه هنا يحاول تحويل هذه الظاهرة المخيّبة للأمل إلى شيء معاكس تماماً ينبغي عليهم أن يفرحوا به !!... فيُردف محمد قائلاً :"ذاك صريح الإيمان !!"...(رواه مسلم).....
أي أن محمد لم يكن يهتم بإصلاح الباطن ... بل المهم هو ما يظهرونه له ... فهو يحتاج صحابته عوناً على تحقيق طموحاته الشخصية في السيادة والسيطرة فقط ، أمّا ما يعتمل في صدورهم من شكّ وريبة فليحتفظوا به في صدورهم ولا خوف منه لأنه لا يضر !!! ....
ولذلك كان محمد يعرف إن أكثر أصحابه منافقون ولم يشجّعهم على المصارحة بعدم الإيمان ، وخصوصاً من كان يسميهم "المؤلفة قلوبهم" ، وما هم إلا قومٌ من قريش قبلوا الرشوة ليندمجوا في المسلمين ولو ظاهرياً، أما المنافقين فقد كان محمد يحتفظ بقائمة سرية لأسماء بعضهم ممن حاولوا قتله بعد غزوة تبوك ، وكان حذيفة يعرفهم واحداً واحداً ، لذلك قيل إنه صاحب سرّ رسول الله، ولمّا دعا رجلٌ أمام حذيفة "اللهم أهلك المنافقين" قال له حذيفة مستدركاً :" لو هلكوا ما انتصفتم من عدوكم "(ابن أبي شيبة)..... أي إنّ أكثر من كانوا يجاهدون في صفوف المسلمين منافقون لا يؤمنون بمحمد وقرآنه بقدر إيمانهم بمنطق الغنائم ونكاح السبايا.




(1) السلسلة الصحيحة للألباني رقم ٣٦١٢ ورواه عبد الرزاق (٢٠٣٨٥) ، ومن طريقه: أحمد (٥/٣٧٣- ٣٧٤) ، والترمذي (٢٢٨٥) - واللفظ له.

(2) رواه البيهقي والطحاوي في "مشكل الآثار" والحاكم عن ابن عمر وإسناده جيد ( مختصر منهاج القاصدين والتحقيق لعلي حسن علي عبدالحميد) وفي السلسلة الصحيحة نفس الحديث بلفظ " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل ، فإنه من يبدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله "... رقم ٦٦٣.

(3) مسند أحمد تحقيق شاكر وصححه... والحديث بشكله المختصر في صحيح مسلم..

(4) سنن أبي داود تحقيق الأرنؤوط وقال محققه الحديث صحيح والإسناد حسن.


الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

محمد ونهاية العالم



كان محمد مقتنعاً في بداية الأمر بقرب قيام الساعة، وإنها ستقوم قبل وفاته، وهذه القناعة في رأيي لم تكن إلا عرضاً من أعراض مرضه الذي يتجلّى أحياناً في مظاهر من السوداوية والتشاؤم.
ومن أصح الأحاديث التي عبّرت عن هذه القناعة حديثه الذي يقول فيه :"بعثت أنا والساعة كهاتين" ( إشارةً إلى أصبعيه السبابة والوسطى وهما مقترنتين جنباً إلى جنب)، وهو حديث متواتر لا يحق لأحد أن يطعن فيه... بل إن النظرة المحايدة والموضوعية لأحاديث من هذا النوع تجعلنا نرجحها على القرآن، فالقرآن كان ولا يزال بدون أسانيد. صحيح إن المصحف كان موحّداً في وقت مبكّر وتحديداً في وقت الخليفة عثمان بن عفان، ولكن إذا نظرنا لطريقة جمعه قبل ذلك في عهد الخليفة أبوبكر لوجدنا ما يؤكد عدم دقته خصوصاً مع عدم حفظ غالبية الصحابة للقرآن بشكل كامل، ولذلك لم يكن غريباً أن نسمع إن أحد الصحابة جاء بآية لم يعرفها غيره ليضيفها أبوبكر إلى القرآن خلال محاولة جمعه، فكانوا كأنهم لم يسمعوها من قبل ولا حتى يعرفون أين يضعونها في ترتيب السور.
إذاً ، لا يمكن التشكيك في هذا الحديث المتواتر ، وكذلك في مدلوله الواضح الذي يعلن قرب قيام الساعة قبل وفاة محمد، فكيف إذا علمنا إنّ القرآن نفسه يؤكد هذه الحقيقة ولا يكذّبها ، فهو يقول :"اقتربت الساعة وانشق القمر" ويقول:"اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" ، والأدلة في الحديث والأثر كثيرة والمفتاح الرئيسي في نظري هو عمر بن الخطاب، فهو الرجل الثاني وهو المحدّث الملهم الذي يحتل مكانة قريبة من مرتبة النبوة، ومع ذلك حين يسمع بموت محمد يقولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ... ويقول (حسب رواية البخاري ) وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُم.. وفي رواية بمسند الدارمي يضيف عمر :"إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ عُرِجَ بِرُوحِهِ كَمَا عُرِج بروحِ مُوسَى" وهي رواية مرسلة رجالها ثقات كما يقول محقق الكتاب.
وهنا يتدخل أبوبكر ليصحّح كلام عمر ويتلافى بذلك فتنةً كبيرة كان يمكن أن تقع في المسلمين، وهذه الفتنة أساسها نبوءات محمد التي لم تتحقق ، فحسب ما ورد في رواية أخرى للبخاري : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وعمر يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: «اجْلِسْ»، فَأَبَى، فَقَالَ : «اجْلِسْ»، فَأَبَى، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل" ... ثم يردف الراوي: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا !!!!!!
وحقاً قد لا يكون الله أنزلها قبل ذلك ، ولكنها تلفيقات أبي بكر كما يبدو . 

مع قليل من التحليل نجد إن هذا الموقف يثير عدة تساؤلات .... 
أولاً: كيف لم يسمع عمر -وهو من هو - بالآية من قبل ؟!. ...فعمر حسب ما عُرِف عنه إنّه كان أحرص الناس على متابعة الوحي أولاً بأول، وهناك رواية عنه في البخاري تدلّ على ذلك حيث يقول :" كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُمْ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ َ، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ"

ثانياً- ما قصْد عمر بعروج روح محمد الى ربه "كما عُرج بروح موسى" ؟! وهل كان يقصد أن يقول "كما عُرِج بروح عيسى" ؟! وما الذي دعاه إلى هذا الإفتراض ؟!..... فمن المعلوم إن محمد كان مريضاً مرض الموت، وهو حالياً مسجّى في غرفته بدون حراك ولا نفس... وهي الصورة الطبيعية للموت، فما الذي ألجأه لهذا النوع من الإنكار ؟! ......
هل يمكن أن نقول إنّه لا يصدّق بموت محمد أم إنّه يريد اختلاق "عقيدة الغيبة والرجعة" والسيطرة بها على مقام النبوة كما فعل وكلاء المهدي عند الشيعة عندما ادّعوا إن المهدي حي لم يمت وهو غائب عن الخلق لا يراه إلا من عُرِفوا لاحقاً بالسفراء، وبالتالي اختلقوا الرسائل والوصايا بإسمه !!!

كل هذه التساؤلات تقود إلى وجود عقيدة طُمست أو شوِّهت بعد وفاة محمد، وكان من الممكن أن يُرسي دعائمها "عمر" لولا مخالفة "أبي بكر" له . وتفاصيل السيرة تؤكّد إن موت محمد كان صدمةً غير متوقعة حتى إنّ الذهول والحيرة غطيا على مشاهد الحزن ، مما يدلّ على إن موته في ذلك الوقت كان يناقض تنبؤاته وعقيدته بشكلٍ لا يمكن استيعابه ، ومما يؤكّد إن موقف عمر لم يكن استثنائياً رواية ابن سعد في الطبقات الكبرى عن أبي سلمة حيث قال: اقتحم الناس على النبي في بيت عائشة ينظرون إليه فقالوا : كيف يموت وهو شهيدٌ علينا ونحن شهداء على الناس فيموت ولم يظهر على الناس ؟ لا والله ما مات ولكنه رُفع كما رُفع عيسى بن مريم وليرجعن ! وتوعّدوا من قال إنّه مات ونادوا في حجرة عائشة وعلى الباب: لا تدفنوه فإنّ رسول الله لم يمت ! .....

احدى آليات التلفيق هنا تستلزم تأجيل موعد الساعة ، وهنا يقرر الصحابة أن يؤجّلوا موعد الساعة لمئة سنة إضافيّة ، حيث يروون إن محمد أخبرهم بأمرٍ آخر قد يكون تفسيراً محتملاً لقوله " بعثت أنا والساعة كهاتين"،فمن القرن إلى القرن الذي يليه كما بين السبابة والوسطى والمسافة الزمنية بين القرنين قريبة !!! ... فلماذا الإستعجال وقلة الصبر ؟! ... يروي الحديث إن محمداً قال لأصحابه ( وذلك في إحدى الليالي قبل وفاته بسنة) :"أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن رأس مائة سنةٍ منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" (صحيح البخاري وهو حديث مشهور روي عن عبدالله بن عمر وجابر وغيرهما )
.
وهذا الحديث رغم قوة أسانيده يثير كثيراً من التساؤلات إذا قارنّاه بالموقف الذي اتّخذه عمر، فهل أدرك محمد قرب وفاته فتدارك خطأه في قرب قيام الساعة فأجّلها مئة سنة إضافية ، أم إن الصحابة هم الذين حاولوا تلفيق ما ورد عن محمد من أحاديث سابقة تناقلها الناس، أم إن عمر كان يهذي كعادته ومكانته العلمية الحقيقية لا تتعدّى مرتبة جاهل حقيقي حتى بمبادئ الإسلام الأولية ؟! كل هذه الإحتمالات واردة وكلها تؤكّد إنّ جوهر دعوة محمد مبنيّ على نبوءة أساسية بقرب قيام الساعة ... إمّا في حياته أو في القرن الذي بعده... لكنّها لا يمكن أن تتأخر إلى أبعد من ذلك وإلا كان محمد كذّاباً أو موهوماً... وهنا تكون الكارثة التي ما بعدها كارثة !!!

هذا التلفيق الأول ( إذا صحّت تسميته تلفيقاً ) كان في المرحلة الأولى ألا وهي مرحلة "حياة محمد أو حياة صحابته" حسب الاحتمالات التي ذكرناها، ولكن مرور مئة سنة بدون حدوث شيء يستلزم تلفيقاً آخر يقوم به من بعد الصحابة من رواة الأحاديث لذلك اختلق السلف ( أو فلنقل بعض المحدثين ) حديث " الآيات بعد المئتين"
(سنن ابن ماجة والحاكم والسلسلة الضعيفة للألباني رقم ١٩٦٦) فبما إنه لم يحدث شيء بعد مرور المئة سنة الأولى فقد تمّ تأويل الحديث المئة سنة إنّه يقصِد "لن يبقى أحد من الذين كانوا أحياء في تلك اللحظة بعد مئة سنة"، وهذا تلفيق في قمة الغباء لأن أعمار الناس لم تكن تتجاوز المئة سنة إلا في القليل النادر، ومحمد نفسه اعترف بهذا حين قال :" أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك " (السلسلة الصحيحة للألباني رقم ٧٥٧) ، أم إنّه كان يقصد الأمم الأخرى ؟! وهذا من الصعب بل من المستحيل التحقق منه. ومع كل ذلك فنبوءة بهذا الشكل عبثية لا معنى لها ولا تكون ذات معنى مناسب للسياق إلّا إذا قصد بها محمد انتهاء عمر الكون وقيام الساعة بعد مئة سنة من تصريحه بالحديث وهو المقصود الصحيح من الحديث على فرض ثبوته.
المهم ان الذين لم يخطر على بالهم هذا التأويل اختلقوا حديث المئتين.... ولما لم يحدث شيء من علامات الساعة بعد المئتين قالوا إنّ المقصود بها المئتان بعد الألف
(حاشية السندي على سنن ابن ماجة) ، وأظن إنّ هذا الرأي لم يؤخذ بشكل جدّي والعلماء عموماً أهملوا هذا الحديث بالتضعيف أو عالجوه بالتأويل ، وهذا أمر طبيعي ما دامت النبوءات التي فيها لم تتحقق، فالبخاري يقول عن حديث المئتين: " فقد مضى مائتان ولم يكن من الآيات شيء ". ولهذا جزم ابن القيم في كتابه " المنار المنيف" بوضعه.
وأحاديث (علامات الساعة) عموماً كلّها تنتهي إلى نفس النتيجة، فهي إمّا مضعّفة أو مؤوّلة أوينتظر عامّة المسلمين وقوعها بفارغ الصبر، والنظرة الموضوعية الحياديّة تؤكّد إن هذه الأحاديث خرجت من فم شخص يعاني نظرة سوداوية وينتظر نهاية العالم في وقت قريب قبل وفاته، ولكنّ شيئاً مما توقعه لم يحدث ولن يحدث. ومع ذلك مازال الكثير من المسلمين اليوم ينتظرون أن يأتي الزمان بما قد يثبت صدق نبيهم رغم فوات موعد تحقق هذه النبوءات بمئات السنين !!.

خاتمة فرعون وموسى في ضوء السنة النبوية



عن ابن عباس قال محمد : " لما أغرق الله فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، فقال جبريل: يا محمد، فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه، مخافة أن تدركه الرحمة ." (١) 

يقوم هنا الملاك جبريل بمنع وصول شهادة فرعون الى الله مع العلم إن محمداً يقول بأن الأعمال بالنيات وإن الله يعلم "السرّ وأخفى" فما جدوى تكميم الأفواه إذا كان الله يعلم ما في الصدور ؟..
مع قليل من التحليل نجد هذا الكلام يتوافق مع أو يفسّر أو فلنقل يبرر تفاصيل القرآن...
ففرعون حسب الرواية القرآنية يؤمن خلال غرقه وقبل أن يموت يقول "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل".. ولكن في موضع آخر يؤكد القرآن دخوله لجهنم :"أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" .... فكيف يستقيم الأمر مع هذه التناقضات ؟!
نقول...نعم يستقيم عند ملء الثغرات بأحاديث خرافية مثل المذكور أعلاه....
التفاصيل مغرقة في التخريف والغباء... وتصف أغبى عمل يقوم به ملاك مرسل من الله...
وحتى إذا افترضنا جدوى هذا العمل فلا ينكر أحد إنه عمل شيطاني حقود لأن الملك جبريل يحاول هنا معاندة الله ومنع قضاءه بوضع الوحل في فم الفرعون ...
ولو افترضنا على سبيل المحاججة إن الله لم يرد لفرعون أن ينطق بالشهادة ولذلك سخّر جبريل ليمنعه من نطقها فإننا نكون أمام إله عديم الرحمة لا يريد لمن رأى جبروته وعظمته أن يشهد بها ولا يريد لمن ندم أن ينطق بالإستغفار وهذا منتهى الطغيان وانعدام الرحمة ....
بعبارة أخرى نستطيع القول إن العمل الذي يقوم به جبريل هنا هو منع النطق بالشهادة لكي لا يضطر الله ( مُحرجاً ) لإدخال فرعون الى الجنة ... وكأن الإيمان كلّه عند محمد محصور فقط في النطق بهاتين الكلمتين ... مما يعني تسطيح الإيمان والتعامل معه بطريقة الطلاسم والسحر...
ومثل هذا الموقف الغريب بالمناسبة حدث ما هو أغرب منه مع النبي موسى ....حيث يلطم موسى ملك الموت ليمنعه من قبض روحه رغم إن النبي موسى يعلم إن الملاك ينفذ مهمة الله لا أكثر ولا أقل. ولنا أن نتساءل هنا لماذا لا يجيب هذا النبي الكريم داعي الله مع انه القائل عند دخوله إلى جبل الطور "وعجلت إليك ربي لترضى"....
نص الحديث :
" جاء ملك الموت إلى موسى فقال: أجب ربك.فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، فرجع الملك إلى الله عز وجل فقال: إنك بعثتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فرد الله عينه وقال: ارجع إلى عبدي وقيل له: الحياة تريد ؟! ؛ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، في دارت يدك من شعرة فإنك تعيش لها سنة، قال: ثم ماذا ؟ قال: الموت. قال: فالآن يا رب من قريب". ( متفق عليه ) (٢)

ويمكن بتحليل بسيط لهذا الموقف فهم نفسية محمد ومشاعره الحقيقية تجاه موسى، فإظهاره بشكل من يصفع الملك يدل على كره هذا النبي العظيم للموت ، مع العلم إنّ كراهية الموت أمر مذموم عند محمد ولطالما عيّر بها اليهود حيث خاطبهم في القرآن متحدّياً :"فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ، ولن يتمنوه أبدا بما قدّمت أيديهم والله عليمٌ بالظالمين"، بخلاف موقف فرعون السالف الذكر الذي يدل على الإعتذار له من حيث إنّه تاب وعرف ربّه قبل موته ، وبالرغم إنّ الملاك كان له بالمرصاد نستطيع القول إنّ الأعمال بالنيّات كما يقول محمد في الحديث المشهور عنه ، والمانع الفيزيائي المتمثّل في الوحل لا يلغي رغبته الحقيقية في النطق بالشهادة، وبالتالي فإن الصورة تمثّل تعاطفاً خفيّاً من محمد مع هذا الفرعون وبالمقابل كرهاً خفيّاً للنبي موسى.
وبالتالي فإن جوهر الموقفين يوحي بأن فرعون هو موسى وموسى هو الفرعون في العقل الباطن لمحمد ؟!
ومواقف محمد تجاه اليهود تفسّر هذا الحقد، حيث نستطيع القول إنّه ردّ على خذلان اليهود له وعدم إيمانهم به بتشويه خفي لنبيهم موسى وذلك بصورة لاواعية ثم بتلميع صورة عدوّهم فرعون. وبالرغم من إنّ محمد كان يجامل اليهود ظاهريّاً ويدّعي إنه أقرب الأنبياء شبهاً بموسى فإنّه كان يحنق على اليهود ويكتم ذلك وإذا أراد تفريغ شحنته الحاقدة تلك فيهم فإنه يحيلها إلى الوحي الإلهي، فالله يخبره بمؤمراتهم، والله كذلك يحكم بإبادتهم من فوق سبع سماوات وما على النبي وصحابته إلا التنفيذ.
ويجعلنا هذا نتسائل عن كلّ صور التكريم المزيّفة وعن جدوى تخصيص جزء كبير من القصص القرآني لليهود وأنبيائهم ؟! ألم يعلم ربّ محمد مسبقاً إنّ كل مجاملاته لهم لن تفيد في جعلهم يعترفون به نبياً !! ...


__________________________________________________

1- أخرجه الطيالسي في " مسنده " (٢٦١٨) : وأخرجه الترمذي (٣١٠٧) والحاكم (٢ / ٣٤٠، ٤ / ٢٤٩) وأحمد (١ / ٢٤٠، ٣٤٠) وابن جرير (١٧٨٥٩) . السلسلة الصحيحة للألباني رقم ٢٠١٥
2 - ذكر الألباني هذا الحديث في السلسلة الصحيحة تحت رقم ٣٢٧٩ وجمع ألفاظه والزيادات التي وقعت فيه، وساقها سياقاً واحداً ؛ ورغم إن الحديث يبدو موقوفاً على أبي هريرة فإن العبارة الأخيرة تدلّ على إنه مرفوع إلى محمد ، أي إنه يرجع إلى محمد ككل الأحاديث الصحيحة المروية عنه.