يفسر المسلمون القميص أو الثوب إذا رءاه شخص ما في الحلم بأنه الدين، فإذا رأى شخص نفسه في الحلم يلبس قميصاً أو يخلعه فمعنى ذلك إنه ينسلخ عن دينه أو يكتسب ديناً وتقوى...
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري: " قالوا : وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه، والأصل فيه قوله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير)".
ثم يقول في نفس الموضع :" واتفق أهل التعبير على أن القميص يُعبّر بالدين"
أي أن هذا التعبير متفق عليه بين علماء الإسلام ومستنده الحديث الذي يقول فيه محمد : "بينما أنا نائم؛ رأيت الناس يُعرَضُونَ عليّ وعليهم قُمُصٌ؛ منها ما يَبْلُغُ الثَّديَّ، ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك؛ فعُرِضَ عليَّ عُمَرُ وعليه قميص يَجُرُّه"ُ، قالوا: "فما أوّلتَهُ يا رسول الله؟! "، قال: "الدِّين". (1)
وهذا مؤشّر على معنى الدين في الإسلام، وما هي وظيفته الإجتماعية وحقيقته وهدفه في حياة المسلم، وبما إن الأحلام لغة العقل الباطن فإن المسلم بطريقة لا واعية ينظر إلى الدين كستار أو قناع يخفي العورات (العيوب)، فالدين الإسلامي يركز على الظاهر " والله يتولى السرائر"، ولذلك يقول محمد:
"من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله عز وجل". (2)
وهذا تشجيع صريح على التستّر "بستر الله" على جرائم الفسق والفجور ، بحيث يصحّ للمسلم أن يعيش حياة مزدوجة بين الورع في الظاهر والفجور في السرّ ، وهذه الظاهرة تجعل المصلحين الإجتماعيين يعجزون عن معالجة ما يدور في العائلات المسلمة من تحرش وفجور خفيّ، فنسمعهم يقولون مثلاً :" إن المسلمين يحاولون دفن عيوبهم وأخطائهم تحت سجّادة الصلاة ويظنون ذلك كافياً لمعالجتها".....
ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما ورد في مسند أحمد إنّ رجلاً أتىِ عمر فقال إنّ امرأةً جاءت تبايعُه، قال :"فأَدخلتُها الدَّوْلَج (يقصد المخدع)َ فأصبتُ منها ما دون الجماع؟"، فقال عمر: "ويحكَ، لعلَّها مُغيبٌ في سبيل الله؟" (يعني إنها زوجة مجاهد في سبيل الله) ، قال:" أَجَل"ْ، قال: "فائت أبا بكر فاسأله"، قال: "فأتاه فسأله؟"، فقال: "لعلَّها مُغيبٌ في سبيل الله؟" ، قال: فقال مثلَ قول عمر، ثم اتَى النبي فقال له مَثلَ ذلك، قال: "فلعلها مُغيبٌ في سبيلَ الله؟ "، ونزل القرآن: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" إلي آخرِ الآية فقال: "يا رسول الله، ألي خاصةً أم للناسَ عامةَ؟"، فضرب عمرُ صدرَه بيده فقال:" لا، ولا نَعْمَةَ عَيْنٍ، بل للناس عامةً" ، فقال رسول الله : "صدَق عمر". (3) .. وفي سنن أبي داود نفس الحديث وإن عمر قال للرجل :" قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك" (4) ..
ولا غرابة في ذلك فكل ما دون الجماع داخلٌ في معنى اللمم، واللمم لا يحتاج إلى التوبة حسب كلام القرآن :"الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ، إنّ ربك واسع المغفرة" .... فهذا اللمم تطهّره الصلوات المفروضة من دون حاجة إلى استغفار كما في صحيح مسلم عن محمد قوله: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّراتُ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"... وفي جميع الحالات تبقى المطالبة بستر المعاصي من لب السنّة المحمدية ، حيث يقول محمد :" كلُّ أمّتي معافى إلا المجاهرين، وإنّ من المجاهرةِ أن يعمل الرجلُ بالليلِ عملاً، ثم يُصبحُ وقد سترهُ الله، فيقول: يا فلان عملتُ البارحةٙ كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبحُ يكشف ستر الله عنه" (رواه البخاري ومسلم)...
يصدق أن يقال عن الإسلام إنّه "دين الظاهر والقشور" لأنه لا يولي للباطن اهتماماً ... فالظاهر كافٍ للحكم على الاشخاص .. إذا رأيتم الشخص "يعتاد المساجد .. فاشهدوا له بالايمان" .... و "رفع عن أمتي ما حدثت به أنفسها" ... "نحن نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر" ..... الخ من المقولات التي تنتشر على ألسنة المسلمين وتترجم حقيقة الإسلام...
حتى الإيمان بالله فالحكم عليه بالظاهر ولا عليك بما يعتمل في صدرك من وساوس... بل قد تكون في قمة إيمانك وأنت في سرك تسب الله ورسوله ... انظر الى محمد كيف يجيب صحابته حين صارحوه بما يعتمل في صدورهم من الشكوك والوساوس التي لا يستطيعون البوح بها أمام الناس... ولعلهم شكّوا في ألاعيب نبيهم المزيف ... فقالوا له: "إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به".... فيردّ عليهم محمد متسائلاً :" وقد وجدتموه ؟!"... وكأنّه هنا يحاول تحويل هذه الظاهرة المخيّبة للأمل إلى شيء معاكس تماماً ينبغي عليهم أن يفرحوا به !!... فيُردف محمد قائلاً :"ذاك صريح الإيمان !!"...(رواه مسلم).....
أي أن محمد لم يكن يهتم بإصلاح الباطن ... بل المهم هو ما يظهرونه له ... فهو يحتاج صحابته عوناً على تحقيق طموحاته الشخصية في السيادة والسيطرة فقط ، أمّا ما يعتمل في صدورهم من شكّ وريبة فليحتفظوا به في صدورهم ولا خوف منه لأنه لا يضر !!! ....
ولذلك كان محمد يعرف إن أكثر أصحابه منافقون ولم يشجّعهم على المصارحة بعدم الإيمان ، وخصوصاً من كان يسميهم "المؤلفة قلوبهم" ، وما هم إلا قومٌ من قريش قبلوا الرشوة ليندمجوا في المسلمين ولو ظاهرياً، أما المنافقين فقد كان محمد يحتفظ بقائمة سرية لأسماء بعضهم ممن حاولوا قتله بعد غزوة تبوك ، وكان حذيفة يعرفهم واحداً واحداً ، لذلك قيل إنه صاحب سرّ رسول الله، ولمّا دعا رجلٌ أمام حذيفة "اللهم أهلك المنافقين" قال له حذيفة مستدركاً :" لو هلكوا ما انتصفتم من عدوكم "(ابن أبي شيبة)..... أي إنّ أكثر من كانوا يجاهدون في صفوف المسلمين منافقون لا يؤمنون بمحمد وقرآنه بقدر إيمانهم بمنطق الغنائم ونكاح السبايا.
(1) السلسلة الصحيحة للألباني رقم ٣٦١٢ ورواه عبد الرزاق (٢٠٣٨٥) ، ومن طريقه: أحمد (٥/٣٧٣- ٣٧٤) ، والترمذي (٢٢٨٥) - واللفظ له.
(2) رواه البيهقي والطحاوي في "مشكل الآثار" والحاكم عن ابن عمر وإسناده جيد ( مختصر منهاج القاصدين والتحقيق لعلي حسن علي عبدالحميد) وفي السلسلة الصحيحة نفس الحديث بلفظ " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل ، فإنه من يبدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله "... رقم ٦٦٣.
(3) مسند أحمد تحقيق شاكر وصححه... والحديث بشكله المختصر في صحيح مسلم..
(4) سنن أبي داود تحقيق الأرنؤوط وقال محققه الحديث صحيح والإسناد حسن.