الأربعاء، 17 فبراير 2016

الخلاص من قيود الشريعة الى حرية التصوف





الصوفي ينتقد عبادة عوام المسلمين ويصفها بانها عبادة التجار.. وفي هذا تقول رابعة العدوية:-
ان كنت اعبدك خوفاً من نارك فأحرقني فيها...
..وان كنت أعبدك رغبةً في جنتك فاحرمني منها
ولهذا نجد خندقاً عميقاً يفصل بين تصرفاتهم والشريعة الاسلامية ... بين الحقيقة والشريعة...
ويمكن أن نستشف احتقارهم للشريعة من خلال وضعهم مصطلح الحقيقة كنقيض لمصطلح الشريعة ... لذا نجدهم لا يبالون في تفضيل ذكر الله الله الله.. على قراءة القرآن ...
وكثير منهم تجاوزوا حدود الشريعة ... وقالوا بوحدة الوجود ووحدة الأديان ... وساووا بين عبادات المسلمين والنصارى واليهود وبين عبادات الوثنيين ...
وهم في كل هذا يشابهون المسيح في صدامه مع فقهاء اليهود ...  لذا نجد محاكمة وقتل الحلاج مثلاً تذكرنا بمحاكمة المسيح ثم صلبه .... ونجدهم يقلدون المسيحيين في كثير من عقائدهم وطقوسهم ...
فالصوفي منطلق ومتحرر من ربقة التقاليد والرسوم والشكليات ... مندفع نحو الله بالمحبة وليس بسوط الخوف...
ولو قارنا بين المجتمعات السلفية والمجتمعات الصوفية لرأينا العنف وانتهاك حقوق الإنسان متفشياً في الأولى ونادراً في الثانية... ورأينا انتشار طقوس الشريعة الإسلامية في الأولى وخلوها منها في الثانية ... وكذلك نرى تقاطعات بين المسيحية والتصوف في طقوس السماع وزيارات الأضرحة والتركيز على المحبة واحترام حقوق الإنسان ...
ولك أن تسأل : مادام التصوف يقدم هذه الحالة النموذجية ...فما سر اختفاء التصوف وطرقه وعاداته وتأثيره في المجتمع ؟! ألا يدل ذلك على عدم مناسبته للعصر وتخلفه ؟!
وعندها سأقول لك إن السر في الأنظمة الشمولية العربية ... وخصوصاً القومية والعسكرية بخلاف الليبرالية والملكية ... فالأنظمة الأولى التي تدّعي التقدمية حاربت التصوف عبر الإعلام والتعليم ... وشاركت الأنظمة الأمنية والمخابراتية في محاربة السلوك الديني الصوفي أكثر من محاربتها للسلفية الوهابية ....
لا أنكر إن الهدف كان لتنظيف المجتمع وتنقيته وإظهاره بشكل تقدمي ... فالسلوك الصوفي رجعي تخلفي غيبي لا يتناسب مع روح العصر ...هكذا يدّعون !! ... لكن هل منعت الهندوسية والبوذية دول آسيا من التقدم كما فعل الإسلام التقدمي !!...
وكذلك التصوف لا نتوقع أن يمنع الدول الاسلامية والعربية من التقدم ... والدليل في ذلك -مثلاً - في ليبيا حكم الرجل الصوفي محمد ادريس السنوسي ... لأقل من عقدين ... وكان في قمة الديمقراطية والتحرر ... بل لم يشغل نفسه بمحاربة الخمر والدعارة .... وبنى الدستور والجامعات على أساس ليبرالي حر... وكان من المقدر لليبيا أن تتفوق غلى أكثر الدول العربية لولا انقلاب القذافي الذي أفسد كل ما بناه الملك من قضاء مستقل وجامعات حرة ... فزحف على الجامعات وأخضعها لغسيل دماغ وتطهير ثقافي ... وهو الذي حرّم الخمر والدعارة ... وسلط نظام شمولي سلب من ليبيا كل مظاهر التقدم ....
وحين أتكلم عن تحريم الخمر والدعارة كمؤشر على مستوى الحرية أتغاضى عن كونها عادات سيئة وأمراض اجتماعية.. فالمبالغة في اطلاق الحريات له مساوئه بالتأكيد ولكن تقييدها له مساوئه الأكبر ومن أكبر مساوئه أنه يشلّ الطاقات الإبداعية ويدمّر شخصية الفرد .. لذلك فإن قبول هذه الأمور في نظري هو الضريبة التي تدفعها الأمم للتقدم ...
مع المقارنة نرى سلوك الحاكم الصوفي لا يقف حجر عثرة في طريق التقدم والحرية ... فهو يتمتع بروح التسامح والحب والخلق الحسن ... ثم الأهم من ذلك كله يحصر العبادات في علاقتها الفردية الشخصية مع الله... وهذا يعطي للعبادة شكلها النقي .... من دون تدخل أو رقابة أو محاسبة بين أفراد المجتمع... وكذلك عدم التركيز على الشكليات في هذه العبادات بل على روح العبادة مما يسمح بتشكيلها حسب الظروف ... وبشكل لا يصطدم مع حاجيات الناس ولا يعرقلهم ...
كل هذا يجعل التصوف هو الخيار الصحيح لمن أراد أن يبقى في الإسلام ... ولو بشكل يرضي انتمائه لثقافته ...

السبت، 6 فبراير 2016

أوقفوا طغيان لغة القرآن





إهمال اللهجة العامية من أسباب تخلفنا !!... فهي لم تأخذ نصيبها من الإهتمام ... رغم إن الناس يتواصلون بها يومياً بل وحتى في أكثر البرامج التلفزيونية التي أصبحت بوابة الثقافة الرئيسية لعموم الشعب نجد اللهجة العامية هي لغة التواصل ... وهي تشكل البوتقة التي تحمل الثقافة الشعبية وهموم الناس... ومع ذلك لم تجد طريقها إلى الكتابة ...فلا صحف تجدها مكتوبة بهذه اللهجة ولا مراجع ولا قواميس لها.... ويمكننا أن نقول إن الثقافة العامية قد ظُلمت في هذا المجال ....
لا يمكنك أن تجد في القواميس العربية الكلمات العامية التي تنبثق وتتجدد يومياً ... في حين إن أغلب الكلمات العربية الفصحى في القواميس تعتبر مهجورة ... أو بعبارة أخرى ميّتة .... فاللغة العربية لا تتفاعل مع الواقع ... وترفض بعناد أي مصطلحات دخيلة عليها بحجة إنها تمتلك قداسة خاصة بكونها لغة القرآن .... أي أنه علينا إكراماً للقرآن أن نترك لغتنا التواصلية للقرآن وأهله ... بينما تظل لغتنا  التواصلية التي تحمل معاناتنا وهمومنا اليومية منفصلة عن الأوساط الثقافية وليس هناك ما يمثلها إلا المسلسلات الكوميدية والمسرحيات الهزلية .... والسؤال هنا أليس خطراً على وعينا الجمعي أن تكون لغتنا التواصلية الحقيقية على أرض الواقع -ألا وهي اللهجة العامية- وعاءاً لكل ما هو  هزلي ولا عقلاني ولا أخلاقي ؟ ...
قارن هذا الواقع مع حالة أخرى يتعلم فيها الطفل بالمدرسة كتابة اللغة التي ينطق بها أبواه كل يوم وبشكل يجعله يحترم هذه اللغة التواصلية .... وبشكل لا يجعله يعيش حالة انفصام بين أخلاق الكتب وأخلاق الواقع .... لأن هذه الحالة هي التي تعزز  اللاعقلانية في عقول الناس ...  وبُعد مثقفي الأدب الشعبي وشعراء اللهجة العامية عن الواجهة الثقافية هو أحد مفرزات هذا الواقع .... ووجود هذا التهميش  هو الذي يجعلنا نسلب اسم "المثقف" من الشاعر الشعبي  ... فالحجْر الذي فرضه حماة اللغة القرآنية  على هذه اللهجة أبعد عنها الدارسين ... حتى لا تكاد توجد معاجم ولا دراسات نحوية في حين إننا لا يمكن أن ننكر أنها كوّنتْ قواعد نحوية خاصة بها .....
والذي يلاحظ التطور الذي حصل للغة الإنجليزية مثلاً مقارنةً باللغة العربية يدرك كم هي اللغة الإنجليزية حيّةً متطورةً وكم هي اللغة العربية ميتة ومتحجرة.... فقواميس هذه اللغة تواكب التغيّرات والمصطلحات التي تستجدّ على الساحة بشكل سريع .... فإذا استقريت محتواها وجدت الكلمات القياسية .... ثم الكلمات الغير قياسية .... ثم العامية .... ثم الكلمات الشوارعية والبذيئة .... كلها مسجلة ومرصوصة جنباً إلى جنب.....
وإذا أردت أن تفعل هذا في اللغة العربية فربما ستضطر إلى خلق قواميس لكل بلدٍ عربي.... وبالتالي  ستنهار تلك الوحدة الدوجمائية المزيفة للغة العربية .... وسينهار أول الأصنام الذي يعيق التطور .... وبتشكل الهوية المحلية سيجد الإصلاح طريقه إلى عقلية هذه الشعوب عن طريق رفع مكانة الثقافة المحلية بلهجتها المحلية ...فلا بقاء لشعوب لا تحترم لغتها التواصلية..