الجمعة، 20 سبتمبر 2019

هل لابد ان أكون مسيحياً إذا خرجت من الإسلام ؟!


يشكك كثير من المرتدين عن الإسلام في جدارة المسيحية كبديل أفضل لا تتوفر فيه نقس العيوب ... فالكثير منهم يفضل الإلحاد ويقول إنه لا يريد أن يؤمن برجل يدعي إنه مرسل من الله فكيف يؤمن بمن يدعي إنه ابن الله ... والحقيقة إن كثيراً ممن ينتقلون إلى المسيحية لا ينتقلون عبر التشكيك ولكن عبر الإيمان فهم يتأملون في الآيات القرآنية التي تدعي إن المسيح يخلق الطيور ويحيي الأموات والآيات التي تنسب الخلق والإحياء والإماتة إلى الله " أفمن يخلق كمن لا يخلق".."لا إله إلا هو يحيي ويميت".. فيستنتجون إن القرآن نفسه يشهد بألوهية المسيح كما يستنتجون إنه لا مقارنة بينه وبين محمد ..فمحمد لا يأتي بشيءٍ من المعجزات..  ناهيك عن إنه توفي كأي بشر بينما المسيح لازال حياً حسب العقيدة الإسلامية ... وكل هذه الأمور تجعل كل من لا يعجبه السلوك الأخلاقي العنيف لمحمد يفضّل الإيمان بالمسيحية .. أمّا من أثّرت فيه العلمانية فهو قد يرى الدين برمته خرافة وبما إنّه رفض وجود الأنبياء الذين يتصلون بالله فمن الطبيعي أن لا يرضى بعقيدة تقول إن بشراً من لحمٍ ودم هو ابن الله كما أسلفنا.. فعند ردنا على من يرفضون هذه الفكرة لا يجب أن ننسى إننا أمام مزاج الحادي مادي.
وعند التعمق في لب الموضوع لابد من التنبيه إلى نقطة مهمة ... ألا وهي لغز الروح الذي يظل مغلقاً على أفهام أكبر العلماء مهما بلغ علمهم... وهو من أكبر أسرار الكون... ومازال محلّ جدل بين الملحدين والمؤمنين.... فالملحد المادي لا يرى للروح وجود ويُرجع جميع العواطف والأفكار والأحاسيس إلى جهاز عصبي مادي ولا يمكنه الحكم بأن ثمة شيء ورائه .
قد يكون هذا أقصى ما يمكن للعلم تأكيده.. ولكن هل هذا كفيل بإرضاء الروح الباحثة عن الحقيقة ؟!  وهل هذا كفيل بتفسير كل شيء ؟!... هل يمكننا مثلاً تفسير الرؤى والأحلام التي تتحقق كما هي ... أو الأدعية والأمنيات التي تتحقق كما هي كذلك ... وكثير من ظواهر ماوراء الطبيعة ؟!...
قد نستطيع استيعاب وفهم كل المكونات المادية لأجسامنا ولكن تظل أرواحنا لغزاً حتى ونحن نتكلم باسمها ونتيقن من وجودها ... ونعلم تمام العلم من خلال بعض الظواهر إنها تستطيع تجاوز العالم المادي زمانياً ومكانياً مما يشعرنا بأنها تنتمي لعالم آخر لا نفهمه تمام الفهم .
كل هذا يجعل أمر الروح مجهولاً ومهما حكمنا بأن كل البشر مخلوقين من نفس اللحم والدم ومحكومين بنفس الجينات البشرية فإنه لا أحد يستطيع الحكم بأن الأرواح كذلك.... فقد تكون لبعض الأرواح قدرات لا تكون لغيرها .. ويظل في الروح قبس إلهي غير مستبعد عقلياً وقد يقوى هذا القبس في البعض بحيث يكون انعكاساً كاملاً للذات الإلهية .. وهذا شيء غير مستبعد.. ولابد عند التسليم بأي قوة طبيعية أن يكون ثمة طفرة تمثل الحد الأقصى لهذه القدرة... وتتجلى فيها أقصى الإمكانيات لفعل المعجزات الخارقة التي قد لا يتصورها العقل البشري  في أي حالة أخرى ... وإذا افترضنا إن علاقة أي روح إنسانية بالله كأي شعاع صغير ينقله ثقب في الجدار فإن روح المسيح يمكن تشبيهها بذلك النور الكامل الذي نلتقطه عند خروجنا من بين الجدران لرؤية الصورة الكاملة للشمس كما هي !.. فهل هناك فرق بين تلك الصورة والشمس نفسها ؟!.. هل هناك أي مبرر بالقول إننا لم نر الشمس بل رأينا صورتها ؟!
كل هذا مجرد سيناريو متصوّر -بالمناسبة- لتقريب الحقيقة ...وقد يفترض المؤمنون تصورات مختلفة لحقيقة البنوة لله تعكس رؤية الكنيسة التي يتبعها ... ولكنني شخصياً أرى هذا هو أقرب التصورات إلى فهمي البسيط وأعتقد إن الإعتقاد به يسهّل فهم المسلم لحقيقة المشكلة  ولبّ العقيدة ... فالمسيحية ديانة روحية بالدرجة الأولى ...وكل من يؤمن بسموّ جوهر الروح وسموّ أصلها الغيبي  يستطيع استيعاب الموضوع بهذا الشكل ... ولذلك يمكننا الإعتقاد إن من تجليات هذه البنوة أن نرى كل البشر كأبناء لله... فألوهية المسيح ليست مفهوماً جامداً ومغلقاً على نفسه... بل هو تقديس للجنس البشري ككل ... فوجود ابن لله من بين البشر تشريف من الله للإنسانية ككل وليس عبوديةً من الإنسان للإنسان كما قد يتصور بعض المسلمين.
ومن هنا نفهم إنه ليس في ألوهية المسيح ما يمثل احتقاراً للعقل البشري ... بل يتطلب الأمر قليلاً من التعمق في أعقد المشاكل الفلسفية التي حيرت البشرية... ومنها نجد الطريق إلى تقبل المسيحية... كما إن سلسلة الأنبياء التي لم تنقطع لابد أن تؤدي إلى نقطة ما تترجم الغاية منها... أي الغاية من الإتصال بالله عبر هؤلاء الأنبياء .... وهذه الغاية النهائية ذكرها الإنجيل بكل وضوح... حين ذكر مثل "صاحب الكرم" الذي غرس كرماً وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبني فيه برجاً وسلّمه إلى كرّامين وسافر ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده .... فأخذ الكرّامون عبيده وجلدوا بعضاً ورجموا بعضاً ثم أرسل آخرين ففعلوا بهم كذلك... ثم أرسل ابنه... وهنا يجب ان نتوقف في معنى هذا التسلسل وجوهر المثل بدلاً من التركيز على عبارة " وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا " وتحميلها ما لا تحتمل من المعاني... فهو لم يقل بأن صاحب الكرم سيرسل آخرين بعد إرساله لابنه... والمعنى واضح بأن أمة اليهود رفضت المسيح وستأتي أمم أخرى تقوم بما لم يقوموا به.... وهذا يوضحه قول المسيح بعدها مباشرةً :" أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية.... من قِبَلِ الرب كان هذا وهو عجيبٌ في أعيننا.. لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمةٍ تعمل أثماره"... فالمعنى واضح جداً لا يحتاج إلى تحريف كما إن تفاصيل النبوءة تحققت تماماً وإن كان الملحد يشكك أصلاً في وثوقية النص وقد يدّعي إن بعض التفاصيل أضيفت لاحقاً .... ولكن لا أعتقد إن في المنطق السليم ما يبرر رفض جوهر المثل الذي يجعل إرسال الإبن هو النقطة الأخيرة التي تختم سلسلة الأنبياء... وخصوصاً مع عدم وجود مبرر لأن يختلق كتبة الأناجيل هذه الحقيقة.

الأحد، 15 سبتمبر 2019

حقيقة التوحيد المحمدي


القرآن يؤكد بكل وضوح على مركزية التوحيد في العقيدة وإن تعدد الآلهة لو صحّ لأدى الى فساد الكون ودماره:
 "لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون " (سورة الأنبياء ٢٢).
" ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون " (سورة المؤمنون ٩١).
ويطبق المسلمون هذا المبدأ على الخلافة أيضاً فيقول الحديث : "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه"(صحيح مسلم) .
فمحمد يفترض إن الآلهة كالبشر في غرائزها وأنانيتها، وفي تغليب الحماسة على العقل، رغم ان بناءه على ذلك كحقيقة مسلّمة فيه من السذاجة ما فيه، فهو يصوّر الآلهة بالشكل المؤطّر والمعهود ولم يستطع التحرر فكرياً بشكل يتناسب مع دعواه الخاتمة للأديان.. فهو يتحدث هنا عن آلهة تعكس الضعف والنزق الإنساني البسيط..
لم يستطع محمد تجاوز هذا الإختبار .. بل إنه تناقض مع نفسه أيضاً.. فحتى حسب مفهوم القرآن نفسه ليس في تعريف الإله ما يؤكّد مشاركته للبشر في غرائزهم وضعفهم، وكما إن المسلمين اليوم يرون إنه من المغالطة أن تُعمّم أخلاق المسلمين وتنسب للإسلام فمن باب أولى ليس من المنطق أن تُعَمّم صورة الآلهة كما هي في الحضارات الأغريقية والهندوسية بنزقها وصراعاتها على مبدأ تعدد الآلهة ، فليس من الضروري أن تكون الآلهة بهذا الشكل!.
وبالتالي قد نخلص إلى نتيجة تقول  إن مبدأ وجود إله واحد لا يختلف في قوته عن مبدأ تعدد الآلهة، فكل ما يمكننا تأكيده بعد نظرة تأملية في نشوء هذا الكون إنه لا بد أن يوجد إله واحد على  الأقل، والقليل الذي عرفناه عن الكون في عصرنا هذا يؤكد عظمة هذا الإله أو هذه الآلهة ، أو فلنقل عظمة هذه الذات الواحدة أو المتعددة التي قررت خلق هذا الكون، ولا يمكن أن نتصورها مع كل هذه العظمة أن تصل بتفاهتها إلى التقاتل والتصارع أو تقاسم الكون بطريقة " أن يذهب كل إله بما خلق"، فأقل درجاتها لابد أن يكون الكمال العقلي الذي لا يؤدي إلى التنازع بل إلى التنسيق المتبادل إذا صحت العبارة في حق هذه الآلهة ، ويمكننا بالمناسبة أن نفترض وحدتها من قبيل وحدة الإرادة حتى مع وجود التعدد.
 ونظراً للصراع المزروع في غرائزنا على هذه الأرض، وهو بالمناسبة "صراع من أجل البقاء" كما دأبنا على تسميته ، فإن البشر في عصور سابقة عكسوا ذلك على تصورهم للآلهة، والقرآن لم يكن استثناءياً ولم يأتِ بجديد على بيئته ، فهو وضع ذلك كقاعدة وبديهة تبدو ساذجة جداً اليوم للتدليل على وحدانية الإله، وهنا يكمن الخطأ !.
وحتى لو كان مبدأ الوحدانية هو الصحيح فلا يمكن لمن خلق الكون بعظمته أن يعجز عن الإتيان بحجة أقوى للدلالة على هذا المبدأ ! وحتى مع هوس محمد بفكرة الوحدانية بشكل دوغمائي متحجّر ، نجده لا ينتبه لإخلال تقديس الأحجارالذي ورثه عن قومه بمبدأ الوحدانية .... صحيح إنّه يركز كثيراً على توحيد الخالق المستحق وحده للعبادة، كما يركّز على وحدة الدين ووحدة الأمة ووحدة الخلافة.. فلا دين للبشرية إلا دين الإسلام، والأمة واحدة ولابد أن تكون تحت إمرة خليفة واحد، ومع كل هذا الهوس بالوحدة والتوحيد بهذا الفهم السطحي لم يستطع محمد تحرير قومه من عبادة الأحجار بل اكتفى باستبدال الأصنام المتعددة بصنم واحد هو الكعبة.
ولذلك فهو توحيد دوغمائي أجوف المضمون، مع كره مقيت للتعددية يسوّغ تطهير الجزيرة من الأديان المخالفة، وبالتالي تحريم الجدال والإبتداع حتى لا تتنوع الآراء ، ولو استقرأنا التراث الإسلامي كله لوجدنا إنه خلق أيدلوجية معادية لمفاهيم الحرية والإبداع والتعددية التي تعتبر أساس التطور ، ولم يستطع محمد ولا المسلمون من بعده أن يستوعبوا طريقة الحكم المثالية في عصرنا اليوم التي أصبحت مبنية على التعددية  سواء تعدد الأحزاب أو تعدد السلطات (السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية) والتجارب أثبتت إن التعددية هي أساس نجاح الدول، مما يثبت بدوره تهافت المبدأ الذي بنى عليه محمد محاججته ضد تعدد الآلهة، فهو لم يستطع تخيل السلام والإتفاق مع تعدد السلطات بين البشر ولو عاش في عصرنا هذا لرأى الأمم المتحضرة تحكم بمبدأ التعددية وتعيش سلاماً وحسن تدبير لم يحظٙ به المسلمون والعرب الذين توارثوا نبذ التعددية والتنوع من محمد وأتباعه، وحين يحاول أكبر مجدد إسلامي في العصر الحديث "محمد عبده" إختيار النظام الأفضل للمسلمين لا يجد إلا نظرية "المستبد العادل"، مع إنه كان ولا يزال الأكثر تحرراً في عقيدته وفقهه، وهذا ليس غريباً لأنه يعكس العقل الجمعي والمحور التوحيدي الإستبدادي الذي يفترض ضعف الرعية وقلة وعيها ونزقها وشقاوتها مقابل رشد الحاكم الذي يفترض به أن يقودهم بالعصا والسوط .
ويبدو من تحليلنا للسيرة إن محمد كان مسكوناً بطموح توحيد العرب تحت حكمه، وكان يرى تنازعهم وشراستهم وعدم انسياقهم وانضباطهم لأي قانون عدا قانون القوة، لذلك كان يأتي بتلك النظريات التي يثبت بها وحدة الله، التي لا يشكك عاقل في تفاهتها من هذا المنظور بل يراها إسقاط واضح للبيئة وللطموح السياسي، فطموح محمد في توحيد الله تغلّفه الطموحات السياسية بشكل واضح حتى إن المرء يحتار أثناء دراسته لتفاصيل السيرة المحمدية ويتساءل بصدق كيف لمحمد أن يمزج بكل صفاقة وجهل بين "الله" و"الطموح السياسي" ؟ وكيف لغزوات النهب والسلب والإسترقاق أن تكون جهاداً في سبيل الله ؟! ، ولماذا لم يكتفِ هذا النبي بإيصال رسالته ونشرها إلى القبائل الأخرى بدلاً من إصراره على إحكام السيطرة على كل الجزيرة العربية قبل موته ؟! . كل هذه التساؤلات تؤكد إن هاجسه الوحيد كان سياسياً بالدرجة الأولى وحتى وهو يدعو للتوحيد بين العرب كان يضمر توحيدهم تحت رايته أكثر من اهتمامه بتوحيد الله.

السبت، 14 سبتمبر 2019

الأخلاق الإسلامية بين الإستعلاء والإسقاط والنفعية

كان من الشائع خلال الحقبة الإشتراكية أن يتم تصوير المجتمع الغربي بشكل مجتمع أناني عديم الإنسانية ... يموت فيه الفقراء والمعدومون من الجوع أو من البرد من دون ان يلتفت إليهم المجتمع.... فلا تآلف ولا تضامن ولا شفقة .... ليس مع الغريب فقط بل حتى بين الأخ وأخيه والإبن وأبيه..... 
كان هذا النوع من الدعاية مبثوثاً في القنوات الرسمية والأنظمة التعليمية بشكل كافٍ ليقنع الناس بأنهم يعيشون في الجنة الموعودة مقارنةً بالمجتمعات الغربية.... ولكن ما إن انفتحت مجتمعاتنا المغلقة على هذا العالم الغربي حتى اتضح العكس تماماً.... بل إن الواقع اليوم يعطي هذه الصورة ذاتها بشكل معكوس تماماً... فالواقع اليوم أثبت إن الإنسان النفعي المادي عديم الرحمة هو الإنسان العربي المسلم وليس ذلك الغربي الملحد أو المسيحي.... ومن أوضح الأمثلة على هذه الحقيقة ما شاهده العالم أجمع من مآسٍ يومية يواجهها اللاجئون السوريون حين يموتون برداً وجوعاً على الحدود العربية بينما يُعاملون بمنتهى الرحمة والإنسانية في الدول الغربية .... كما لاحظ العالم كله عبر الأخبار اليومية نوعاً غريباً من اللامبالاة بالنازحين والمهجرين ويمكن أن نقول بلا مبالغة الإحتقار والقسوة في الدول العربية .... فأين ذهبت الأخوة العربية والأخلاق الإسلامية ؟!.... وما الذي يدعو الملحد والمسيحي إلى معاملة هؤلاء بكل هذه الإنسانية وهذا الكرم مع كل التكاليف والمصاريف التي لن تعود عليه بالنفع لا في الدنيا ولا في الآخرة ؟!....
في كثير من الأحيان ينتقد الملحدون أخلاق المتدينين ويقولون إنها نفعية وصولية لغرض حيازة الحور العين وأنهار الخمر وإنها ليست من صميم قلوبهم ولا بداعي الضمير والإنسانية..... ومواقف مثل هذه تثبت صدق كلامهم.... فهؤلاء المسلمون يفضلون وضع حزام ناسف والدخول في عملية انتحارية أو جهادية لأنهم يتيقنون دخولهم للجنة بعدها..... فهم يفضلون الوصول إلى الجنة عبر القيام بالأعمال السلبية وإن كانوا يعلمون إن للأعمال الإيجابية أيضاً جزاءها ولكنهم يفضلون الطريق الأسرع والذي لا يكلفهم شيئاً.... وإذا لم يقتنع المسلم بوجود جزاء أخروي على شيء من أعماله فلن يقوم به مهما أقنعته.... فالمسلم لا يؤمن بالقيم الإنسانية في حد ذاتها ويحتقر حقوق الإنسان ويعتقد إنها أوهام رومانسية لا تسمن ولا تغني من جوع.... أما الدين فبراجماتي نفعي بثمن مؤجّل بطريقة التجار .... لذلك يقول عن الجنة إنها "سلعة الله" وفي أحاديث محمد نجده يقول :"ألا إن سلعة الله غالية... ألا إن سلعة الله الجنة ".... والتعابير التجارية من هذا النوع أكثر من أن تحصى في القرآن والسنة...
رغم إن المسلمين لا ينتبهون لسفالة هذا النوع من التعامل مع الله فإن الملحد (وحتى المتدين بدين آخر) ؛الذي هو من خارج المنظومة القيمية الإسلامية؛ لا يستطيع استيعاب إن هذا النوع من التدين أمر إيجابي ... لا يمكن في نظره أن يثمر هذا النوع من التعامل مجتمعاً صالحاً أخلاقياً... فبمجرد ان يعتقد بعض أفراد هذا المجتمع إنهم لن يكونوا بمنجاة من نار جهنم فإنهم سينغمسون في الرذائل بدون وازع ولا ضمير .... وخصوصاً حين نعلم إن كل المسلمين تقريباً يؤمنون بوجود فترة ضرورية من العذاب للجميع وإن العذاب عسير على كل من ارتكب ولو مثقال ذرة من الأخطاء والآثام ... والقرآن يقول "وإن منكم إلا واردها -يقصد جهنم- ... كان على ربك حتماً مقضيا" ..... كما يؤمنون بأنه لا أحد معصوم عدا الأنبياء.... ثم مع ذلك يؤمنون بأن شهادة الإسلام "لا اله الا الله.محمد رسول الله" تزن الكثير في ميزان الإسلام وكفيلة بالشفاعة لمن يؤمن بها "صادقاً من قلبه"... لذا تجد إنهم يمنون أنفسهم بأنهم الأمة الناجية يوم القيامة التي تصطلي بقليل من العذاب ليطهرها الله من الخطايا ثم يدخلها الجنة.... بينما تُخلّد بقية الأمم في جهنم إلى الأبد.... ويؤمن كثير من المسلمين إن هذه الأمم الكافرة مباحة الدم والمال حتى تدفع الجزية... وهذا ما يسهّل على بعض أفراد الجاليات المسلمة في الغرب امتهان السرقة والنهب من جيرانهم المسيحيين والملحدين ....
مع أخذ كل هذه التفاصيل في الإعتبار يمكننا تخيّل هذا المسلم كطفل مشاغب يربيه أبوه بالسوط كلما أخطأ بحيث لا يعرف الشر إلا بتخيله للسعة السوط التي سوف تلهب ظهره لو ارتكب ما لا يرضي والديه .... ولو سألنا مسلماً عن هذا النوع من التربية لربما وافقنا وذكّرنا بحديث محمد:" علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب " مما يثبت إن الإسلام هو دين العنف شكلاً ومضموناً.... وإنه دين نفعي براجماتي لا يعترف بالضمير ولا يهتم بطهارة القلب ولا بالقيم الإنسانية .... ونحن نعرف اليوم رأي علماء الإجتماع الذي يؤكّد إن وازع الخوف لا يخلق إلا شخصية مهزوزة، وإذا حالفها الحظ وتماسكت فستصبح عنيفة ومجرمة بحيث تفرّغ الكبت الذي عانته بإسقاط هذا العنف على الآخرين.... فتنتشر عدوى العنف والسادية من الأب إلى الإبن حتى تصبح القوة والغلبة هي المسيطرة في العقل الجمعي بشكل متجذر يصعب اقتلاعه... مما يسهّل تقبّل تلك الشخصية الدكتاتورية التي تحمل درّة عمر بن الخطاب وتجبر الناس على الإنقياد إلى الحق.... ويجعل من الصعب في نفس الوقت إحداث التغيير الإيجابي النابع من القناعة الشخصية .... فكل المسلمين تقريباً يؤمنون إنهم لا يستطيعون إصلاح أنفسهم بأنفسهم ولا التقدم نحو الأفضل إلا بقيادة ذلك "المستبد العادل" (حسب لفظ الشيخ محمد عبده) ... ولا زالت المجتمعات الإسلامية تدور في نفس الدوامة وتتجدد لديها الرغبة لظهور هذا المستبد العادل الذي يجسّد صورة الإله الإسلامي الذي يقود شعبه عبر الإكراه والتخويف والتهديد .... وغالباً ما يكون هؤلاء المستبدون هم من ينشرون بين شعوبهم تلك الدعاية "المعكوسة" عن الفساد الأخلاقي للعالم .... ويمارسون نشر الوهم بين المسلمين بحيث ينظرون للإجرام والعنف والنهب على إنه جهاد وغنائم وأنفال .... والإغتصاب نكاح شرعي لملك اليمين.... وبدلاً من حماية المدنيين يتم سرقة ممتلكاتهم واعتبارها غنائم وأسرهم وبيعهم في سوق الرقيق.... وقد يصعب جداً إقناع المسلم بأن هذه الأفعال منافية للأخلاق الإنسانية بشكل بديهي....  
وهذا كله يقودنا إلى السؤال عن الأخلاق وعلاقتها بالدين .... وهل الدين هو دائماً منبع الأخلاق الخيّرة والإنسانية.... وهل هذه الأخلاق الإنسانية تحتاج بالضرورة إلى دين ووحي سماوي أم إنها فطرية .... وهل سيلتزم الإنسان بها إذا لم يكن هناك ثواب ولا عقاب ؟!... وهل يمكن الإعتماد بنوع من المصداقية والثقة بالإنسان كإنسان وبأن الأخلاق نابعة في الأساس من إنسانيته وشعوره المرهف بالألم الذي قد يعانيه الآخرون من جراء أي فعل شرير يقوم به تجاههم ؟!... وهل يحتاج هذا الشعور إلى نبي يعلمنا إياه أم إنه كامنٌ في فطرتنا ؟!... 
المجتمعات المتحضرة تتعامل بشكل عقلاني مع الأخلاق بحيث تكون الجريمة في كثير من الأحيان مرادفة للمرض النفسي..... والمجرم فيها يُعامل كمريض يحتاج إلى العلاج أكثر من الإنتقام والقصاص ..... والأفعال الشريرة تُفقد المواطن أي نوع من المصداقية والثقة في الوسط الذي يعيش فيه.... كما تفقده الإحترام وقد تفقده وظيفته ... لأن المجتمع ككل مبني على القيم الإنسانية واحتقار الظلم والأفعال الشريرة بشكل عام.... ومجرد كون المجتمع الذي وصل هذا الرقي أخلاقي ليبرالياً -حراً ؛لا إكراه فيه- يثبت إن النفس البشرية طيبة وخيّرة بفطرتها وتنزع إلى الإبتعاد عن الشر من دون ضغط أو إكراه أو تهديد .... وإن الأفعال الخيرية التي تنبع من  إنسانية الإنسان أكثر فائدةً من تلك التي يمارسها المتدينون لإرضاء الله.... وكل هذا متجذر بشكل طبيعي في المجتمعات الناضجة اجتماعياً... والتي يتطور فيه النقد والتصحيح بطريقة عقلانية تستهدف الوصول إلى أقصى حد من السعادة والرفاهية للجميع عبر المساواة والحرية والديمقراطية التي تخلق علاقات احترام متبادل بين أفراده.... فالمواطن الذي يتعاون مع زميله في العمل ويعمل بجدّ قد لا يضع في اعتباره حب الله ولا حبّ الوطن... ولكنه يعلم تمام العلم إن واجبه أن يكون إيجابياً ... ويضع في اعتباره أن واجبه أن يفعل ما يتمنى للآخرين أن يفعلوا معه .... وإن العالم سيكون أفضل بكثير -له ولغيره- لو فعل كل الناس الأمور الإيجابية التي يمارسها ... وهذا ما يمكن مقارنته مع الأمور السلبية من الحقد والمكائد التي يمارسها موظفو المؤسسات الإدارية في الدول العربية .... حيث  يمارسون الوشاية والتقارير الكيدية والعرقلة المتبادلة.... ويمكننا تخيل التعاسة التي يكرّسونها والشقاء الذي يجذرونه في المجتمع... ومع ذلك تجدهم يعكسون هذه الصورة السلبية ويسقطونها على الغرب المادي الذي لا يرحم فيه الجار جاره ولا الأخ أخيه... 
يمكننا باختصار أن نقول إن هذه الأمة هي أمة "الإسقاط النفسي" بامتياز منذ أيام الدعوة المحمدية في يثرب.... فالإسقاط متجذر في النفسية الإسلامية ومحمد مارس إسقاطاته النفسية على اليهود ووصفهم بالخيانة والغدر والكذب على الله وأكل الحرام "سماعون للكذب أكالون للسحت".... ولا زال المسلمون يصفونهم بأوصاف القرآن التي تنطبق عليهم "بأسهم بينهم شديد" ..."تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" ... وتشبيههم بالحمار الذي يحمل أسفاراً  ... وهم الذين أخرجوا كل هذا الكم من العلماء والعباقرة.... وهم الذين هزموا ست جيوش عربية وكونوا دولة الديمقراطية والحرية رغم ظروف المواجهة مع دول تجاهر بالعداوة وتهددها ليل نهار منذ بداية نشأتها ولكنها لم تتنازل عن الحريات الدينية التي يتمتع بها العرب والمسلمون والمسيحيون والبهائيون على قدم المساواة مع اليهود ومن دون تفرقة...
لماذا لا نكفّ عن تشويه أمم العالم والإستعلاء والنظرة الفوقية ؟!... لماذا لا نعرف للآخر قدره بإنصاف واحترام متبادل ؟!.... بل لماذا لا نتعلم من الأمم الأخرى وما الضير في جلوسنا أمام هذه الأمم المتحضرة كتلاميذ ومتعلمين لنرتقي ونتقدم ؟!... لماذا المكابرة ونحن منبع العنف والإرهاب ؟!...
لماذا لا نقيّم أخلاقنا ونعرف لنظام حقوق الإنسان قدره وأهميته ؟!.... لماذا لا ننتقد ونجتث التقاليد والأعراف الظالمة التي تكرّس السادية والعنف ؟!.... 
وللوصول إلى كل هذا ... لماذا لا ننفتح على العالم ليغزونا بثقافته العصرية ونحقق الإنسجام والتناغم معه بدلاً من الصراع والنظرة العدائية ؟!...
ليتنا نعلم إن حكوماتنا نجحت في حفر خندق عميق -عبر عقود من الزمن- بيننا وبين الغرب ،بل بيننا وبين العالم، ومازالت تحافظ على وجود هذا الخندق رغم الثورات ، لأنه يساعدها على تكريس تسلطها وسرقتها لأقواتنا... واليوم بعد فشل الثورات تحاول إقناع الغرب بضرورة تعميق الخندق وتكريس القمع لئلا يصل الإرهاب إلى شواطئهم...
والحل الوحيد هو احترام الآخر... والثقة بالآخر... والتعامل معه على قدر المساواة... فلسنا خيراً منهم كما إنهم ليسوا خيراً منا ولكن كما هي سنة الحياة علينا أن نتعلم التعايش .... تعايش الإنسان مع الإنسان ... بطريقة إنسانية وحضارية بعيدة عن قانون الغاب.