الجمعة، 20 سبتمبر 2019

هل لابد ان أكون مسيحياً إذا خرجت من الإسلام ؟!


يشكك كثير من المرتدين عن الإسلام في جدارة المسيحية كبديل أفضل لا تتوفر فيه نقس العيوب ... فالكثير منهم يفضل الإلحاد ويقول إنه لا يريد أن يؤمن برجل يدعي إنه مرسل من الله فكيف يؤمن بمن يدعي إنه ابن الله ... والحقيقة إن كثيراً ممن ينتقلون إلى المسيحية لا ينتقلون عبر التشكيك ولكن عبر الإيمان فهم يتأملون في الآيات القرآنية التي تدعي إن المسيح يخلق الطيور ويحيي الأموات والآيات التي تنسب الخلق والإحياء والإماتة إلى الله " أفمن يخلق كمن لا يخلق".."لا إله إلا هو يحيي ويميت".. فيستنتجون إن القرآن نفسه يشهد بألوهية المسيح كما يستنتجون إنه لا مقارنة بينه وبين محمد ..فمحمد لا يأتي بشيءٍ من المعجزات..  ناهيك عن إنه توفي كأي بشر بينما المسيح لازال حياً حسب العقيدة الإسلامية ... وكل هذه الأمور تجعل كل من لا يعجبه السلوك الأخلاقي العنيف لمحمد يفضّل الإيمان بالمسيحية .. أمّا من أثّرت فيه العلمانية فهو قد يرى الدين برمته خرافة وبما إنّه رفض وجود الأنبياء الذين يتصلون بالله فمن الطبيعي أن لا يرضى بعقيدة تقول إن بشراً من لحمٍ ودم هو ابن الله كما أسلفنا.. فعند ردنا على من يرفضون هذه الفكرة لا يجب أن ننسى إننا أمام مزاج الحادي مادي.
وعند التعمق في لب الموضوع لابد من التنبيه إلى نقطة مهمة ... ألا وهي لغز الروح الذي يظل مغلقاً على أفهام أكبر العلماء مهما بلغ علمهم... وهو من أكبر أسرار الكون... ومازال محلّ جدل بين الملحدين والمؤمنين.... فالملحد المادي لا يرى للروح وجود ويُرجع جميع العواطف والأفكار والأحاسيس إلى جهاز عصبي مادي ولا يمكنه الحكم بأن ثمة شيء ورائه .
قد يكون هذا أقصى ما يمكن للعلم تأكيده.. ولكن هل هذا كفيل بإرضاء الروح الباحثة عن الحقيقة ؟!  وهل هذا كفيل بتفسير كل شيء ؟!... هل يمكننا مثلاً تفسير الرؤى والأحلام التي تتحقق كما هي ... أو الأدعية والأمنيات التي تتحقق كما هي كذلك ... وكثير من ظواهر ماوراء الطبيعة ؟!...
قد نستطيع استيعاب وفهم كل المكونات المادية لأجسامنا ولكن تظل أرواحنا لغزاً حتى ونحن نتكلم باسمها ونتيقن من وجودها ... ونعلم تمام العلم من خلال بعض الظواهر إنها تستطيع تجاوز العالم المادي زمانياً ومكانياً مما يشعرنا بأنها تنتمي لعالم آخر لا نفهمه تمام الفهم .
كل هذا يجعل أمر الروح مجهولاً ومهما حكمنا بأن كل البشر مخلوقين من نفس اللحم والدم ومحكومين بنفس الجينات البشرية فإنه لا أحد يستطيع الحكم بأن الأرواح كذلك.... فقد تكون لبعض الأرواح قدرات لا تكون لغيرها .. ويظل في الروح قبس إلهي غير مستبعد عقلياً وقد يقوى هذا القبس في البعض بحيث يكون انعكاساً كاملاً للذات الإلهية .. وهذا شيء غير مستبعد.. ولابد عند التسليم بأي قوة طبيعية أن يكون ثمة طفرة تمثل الحد الأقصى لهذه القدرة... وتتجلى فيها أقصى الإمكانيات لفعل المعجزات الخارقة التي قد لا يتصورها العقل البشري  في أي حالة أخرى ... وإذا افترضنا إن علاقة أي روح إنسانية بالله كأي شعاع صغير ينقله ثقب في الجدار فإن روح المسيح يمكن تشبيهها بذلك النور الكامل الذي نلتقطه عند خروجنا من بين الجدران لرؤية الصورة الكاملة للشمس كما هي !.. فهل هناك فرق بين تلك الصورة والشمس نفسها ؟!.. هل هناك أي مبرر بالقول إننا لم نر الشمس بل رأينا صورتها ؟!
كل هذا مجرد سيناريو متصوّر -بالمناسبة- لتقريب الحقيقة ...وقد يفترض المؤمنون تصورات مختلفة لحقيقة البنوة لله تعكس رؤية الكنيسة التي يتبعها ... ولكنني شخصياً أرى هذا هو أقرب التصورات إلى فهمي البسيط وأعتقد إن الإعتقاد به يسهّل فهم المسلم لحقيقة المشكلة  ولبّ العقيدة ... فالمسيحية ديانة روحية بالدرجة الأولى ...وكل من يؤمن بسموّ جوهر الروح وسموّ أصلها الغيبي  يستطيع استيعاب الموضوع بهذا الشكل ... ولذلك يمكننا الإعتقاد إن من تجليات هذه البنوة أن نرى كل البشر كأبناء لله... فألوهية المسيح ليست مفهوماً جامداً ومغلقاً على نفسه... بل هو تقديس للجنس البشري ككل ... فوجود ابن لله من بين البشر تشريف من الله للإنسانية ككل وليس عبوديةً من الإنسان للإنسان كما قد يتصور بعض المسلمين.
ومن هنا نفهم إنه ليس في ألوهية المسيح ما يمثل احتقاراً للعقل البشري ... بل يتطلب الأمر قليلاً من التعمق في أعقد المشاكل الفلسفية التي حيرت البشرية... ومنها نجد الطريق إلى تقبل المسيحية... كما إن سلسلة الأنبياء التي لم تنقطع لابد أن تؤدي إلى نقطة ما تترجم الغاية منها... أي الغاية من الإتصال بالله عبر هؤلاء الأنبياء .... وهذه الغاية النهائية ذكرها الإنجيل بكل وضوح... حين ذكر مثل "صاحب الكرم" الذي غرس كرماً وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبني فيه برجاً وسلّمه إلى كرّامين وسافر ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده .... فأخذ الكرّامون عبيده وجلدوا بعضاً ورجموا بعضاً ثم أرسل آخرين ففعلوا بهم كذلك... ثم أرسل ابنه... وهنا يجب ان نتوقف في معنى هذا التسلسل وجوهر المثل بدلاً من التركيز على عبارة " وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا " وتحميلها ما لا تحتمل من المعاني... فهو لم يقل بأن صاحب الكرم سيرسل آخرين بعد إرساله لابنه... والمعنى واضح بأن أمة اليهود رفضت المسيح وستأتي أمم أخرى تقوم بما لم يقوموا به.... وهذا يوضحه قول المسيح بعدها مباشرةً :" أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية.... من قِبَلِ الرب كان هذا وهو عجيبٌ في أعيننا.. لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمةٍ تعمل أثماره"... فالمعنى واضح جداً لا يحتاج إلى تحريف كما إن تفاصيل النبوءة تحققت تماماً وإن كان الملحد يشكك أصلاً في وثوقية النص وقد يدّعي إن بعض التفاصيل أضيفت لاحقاً .... ولكن لا أعتقد إن في المنطق السليم ما يبرر رفض جوهر المثل الذي يجعل إرسال الإبن هو النقطة الأخيرة التي تختم سلسلة الأنبياء... وخصوصاً مع عدم وجود مبرر لأن يختلق كتبة الأناجيل هذه الحقيقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق