السبت، 14 سبتمبر 2019

الأخلاق الإسلامية بين الإستعلاء والإسقاط والنفعية

كان من الشائع خلال الحقبة الإشتراكية أن يتم تصوير المجتمع الغربي بشكل مجتمع أناني عديم الإنسانية ... يموت فيه الفقراء والمعدومون من الجوع أو من البرد من دون ان يلتفت إليهم المجتمع.... فلا تآلف ولا تضامن ولا شفقة .... ليس مع الغريب فقط بل حتى بين الأخ وأخيه والإبن وأبيه..... 
كان هذا النوع من الدعاية مبثوثاً في القنوات الرسمية والأنظمة التعليمية بشكل كافٍ ليقنع الناس بأنهم يعيشون في الجنة الموعودة مقارنةً بالمجتمعات الغربية.... ولكن ما إن انفتحت مجتمعاتنا المغلقة على هذا العالم الغربي حتى اتضح العكس تماماً.... بل إن الواقع اليوم يعطي هذه الصورة ذاتها بشكل معكوس تماماً... فالواقع اليوم أثبت إن الإنسان النفعي المادي عديم الرحمة هو الإنسان العربي المسلم وليس ذلك الغربي الملحد أو المسيحي.... ومن أوضح الأمثلة على هذه الحقيقة ما شاهده العالم أجمع من مآسٍ يومية يواجهها اللاجئون السوريون حين يموتون برداً وجوعاً على الحدود العربية بينما يُعاملون بمنتهى الرحمة والإنسانية في الدول الغربية .... كما لاحظ العالم كله عبر الأخبار اليومية نوعاً غريباً من اللامبالاة بالنازحين والمهجرين ويمكن أن نقول بلا مبالغة الإحتقار والقسوة في الدول العربية .... فأين ذهبت الأخوة العربية والأخلاق الإسلامية ؟!.... وما الذي يدعو الملحد والمسيحي إلى معاملة هؤلاء بكل هذه الإنسانية وهذا الكرم مع كل التكاليف والمصاريف التي لن تعود عليه بالنفع لا في الدنيا ولا في الآخرة ؟!....
في كثير من الأحيان ينتقد الملحدون أخلاق المتدينين ويقولون إنها نفعية وصولية لغرض حيازة الحور العين وأنهار الخمر وإنها ليست من صميم قلوبهم ولا بداعي الضمير والإنسانية..... ومواقف مثل هذه تثبت صدق كلامهم.... فهؤلاء المسلمون يفضلون وضع حزام ناسف والدخول في عملية انتحارية أو جهادية لأنهم يتيقنون دخولهم للجنة بعدها..... فهم يفضلون الوصول إلى الجنة عبر القيام بالأعمال السلبية وإن كانوا يعلمون إن للأعمال الإيجابية أيضاً جزاءها ولكنهم يفضلون الطريق الأسرع والذي لا يكلفهم شيئاً.... وإذا لم يقتنع المسلم بوجود جزاء أخروي على شيء من أعماله فلن يقوم به مهما أقنعته.... فالمسلم لا يؤمن بالقيم الإنسانية في حد ذاتها ويحتقر حقوق الإنسان ويعتقد إنها أوهام رومانسية لا تسمن ولا تغني من جوع.... أما الدين فبراجماتي نفعي بثمن مؤجّل بطريقة التجار .... لذلك يقول عن الجنة إنها "سلعة الله" وفي أحاديث محمد نجده يقول :"ألا إن سلعة الله غالية... ألا إن سلعة الله الجنة ".... والتعابير التجارية من هذا النوع أكثر من أن تحصى في القرآن والسنة...
رغم إن المسلمين لا ينتبهون لسفالة هذا النوع من التعامل مع الله فإن الملحد (وحتى المتدين بدين آخر) ؛الذي هو من خارج المنظومة القيمية الإسلامية؛ لا يستطيع استيعاب إن هذا النوع من التدين أمر إيجابي ... لا يمكن في نظره أن يثمر هذا النوع من التعامل مجتمعاً صالحاً أخلاقياً... فبمجرد ان يعتقد بعض أفراد هذا المجتمع إنهم لن يكونوا بمنجاة من نار جهنم فإنهم سينغمسون في الرذائل بدون وازع ولا ضمير .... وخصوصاً حين نعلم إن كل المسلمين تقريباً يؤمنون بوجود فترة ضرورية من العذاب للجميع وإن العذاب عسير على كل من ارتكب ولو مثقال ذرة من الأخطاء والآثام ... والقرآن يقول "وإن منكم إلا واردها -يقصد جهنم- ... كان على ربك حتماً مقضيا" ..... كما يؤمنون بأنه لا أحد معصوم عدا الأنبياء.... ثم مع ذلك يؤمنون بأن شهادة الإسلام "لا اله الا الله.محمد رسول الله" تزن الكثير في ميزان الإسلام وكفيلة بالشفاعة لمن يؤمن بها "صادقاً من قلبه"... لذا تجد إنهم يمنون أنفسهم بأنهم الأمة الناجية يوم القيامة التي تصطلي بقليل من العذاب ليطهرها الله من الخطايا ثم يدخلها الجنة.... بينما تُخلّد بقية الأمم في جهنم إلى الأبد.... ويؤمن كثير من المسلمين إن هذه الأمم الكافرة مباحة الدم والمال حتى تدفع الجزية... وهذا ما يسهّل على بعض أفراد الجاليات المسلمة في الغرب امتهان السرقة والنهب من جيرانهم المسيحيين والملحدين ....
مع أخذ كل هذه التفاصيل في الإعتبار يمكننا تخيّل هذا المسلم كطفل مشاغب يربيه أبوه بالسوط كلما أخطأ بحيث لا يعرف الشر إلا بتخيله للسعة السوط التي سوف تلهب ظهره لو ارتكب ما لا يرضي والديه .... ولو سألنا مسلماً عن هذا النوع من التربية لربما وافقنا وذكّرنا بحديث محمد:" علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب " مما يثبت إن الإسلام هو دين العنف شكلاً ومضموناً.... وإنه دين نفعي براجماتي لا يعترف بالضمير ولا يهتم بطهارة القلب ولا بالقيم الإنسانية .... ونحن نعرف اليوم رأي علماء الإجتماع الذي يؤكّد إن وازع الخوف لا يخلق إلا شخصية مهزوزة، وإذا حالفها الحظ وتماسكت فستصبح عنيفة ومجرمة بحيث تفرّغ الكبت الذي عانته بإسقاط هذا العنف على الآخرين.... فتنتشر عدوى العنف والسادية من الأب إلى الإبن حتى تصبح القوة والغلبة هي المسيطرة في العقل الجمعي بشكل متجذر يصعب اقتلاعه... مما يسهّل تقبّل تلك الشخصية الدكتاتورية التي تحمل درّة عمر بن الخطاب وتجبر الناس على الإنقياد إلى الحق.... ويجعل من الصعب في نفس الوقت إحداث التغيير الإيجابي النابع من القناعة الشخصية .... فكل المسلمين تقريباً يؤمنون إنهم لا يستطيعون إصلاح أنفسهم بأنفسهم ولا التقدم نحو الأفضل إلا بقيادة ذلك "المستبد العادل" (حسب لفظ الشيخ محمد عبده) ... ولا زالت المجتمعات الإسلامية تدور في نفس الدوامة وتتجدد لديها الرغبة لظهور هذا المستبد العادل الذي يجسّد صورة الإله الإسلامي الذي يقود شعبه عبر الإكراه والتخويف والتهديد .... وغالباً ما يكون هؤلاء المستبدون هم من ينشرون بين شعوبهم تلك الدعاية "المعكوسة" عن الفساد الأخلاقي للعالم .... ويمارسون نشر الوهم بين المسلمين بحيث ينظرون للإجرام والعنف والنهب على إنه جهاد وغنائم وأنفال .... والإغتصاب نكاح شرعي لملك اليمين.... وبدلاً من حماية المدنيين يتم سرقة ممتلكاتهم واعتبارها غنائم وأسرهم وبيعهم في سوق الرقيق.... وقد يصعب جداً إقناع المسلم بأن هذه الأفعال منافية للأخلاق الإنسانية بشكل بديهي....  
وهذا كله يقودنا إلى السؤال عن الأخلاق وعلاقتها بالدين .... وهل الدين هو دائماً منبع الأخلاق الخيّرة والإنسانية.... وهل هذه الأخلاق الإنسانية تحتاج بالضرورة إلى دين ووحي سماوي أم إنها فطرية .... وهل سيلتزم الإنسان بها إذا لم يكن هناك ثواب ولا عقاب ؟!... وهل يمكن الإعتماد بنوع من المصداقية والثقة بالإنسان كإنسان وبأن الأخلاق نابعة في الأساس من إنسانيته وشعوره المرهف بالألم الذي قد يعانيه الآخرون من جراء أي فعل شرير يقوم به تجاههم ؟!... وهل يحتاج هذا الشعور إلى نبي يعلمنا إياه أم إنه كامنٌ في فطرتنا ؟!... 
المجتمعات المتحضرة تتعامل بشكل عقلاني مع الأخلاق بحيث تكون الجريمة في كثير من الأحيان مرادفة للمرض النفسي..... والمجرم فيها يُعامل كمريض يحتاج إلى العلاج أكثر من الإنتقام والقصاص ..... والأفعال الشريرة تُفقد المواطن أي نوع من المصداقية والثقة في الوسط الذي يعيش فيه.... كما تفقده الإحترام وقد تفقده وظيفته ... لأن المجتمع ككل مبني على القيم الإنسانية واحتقار الظلم والأفعال الشريرة بشكل عام.... ومجرد كون المجتمع الذي وصل هذا الرقي أخلاقي ليبرالياً -حراً ؛لا إكراه فيه- يثبت إن النفس البشرية طيبة وخيّرة بفطرتها وتنزع إلى الإبتعاد عن الشر من دون ضغط أو إكراه أو تهديد .... وإن الأفعال الخيرية التي تنبع من  إنسانية الإنسان أكثر فائدةً من تلك التي يمارسها المتدينون لإرضاء الله.... وكل هذا متجذر بشكل طبيعي في المجتمعات الناضجة اجتماعياً... والتي يتطور فيه النقد والتصحيح بطريقة عقلانية تستهدف الوصول إلى أقصى حد من السعادة والرفاهية للجميع عبر المساواة والحرية والديمقراطية التي تخلق علاقات احترام متبادل بين أفراده.... فالمواطن الذي يتعاون مع زميله في العمل ويعمل بجدّ قد لا يضع في اعتباره حب الله ولا حبّ الوطن... ولكنه يعلم تمام العلم إن واجبه أن يكون إيجابياً ... ويضع في اعتباره أن واجبه أن يفعل ما يتمنى للآخرين أن يفعلوا معه .... وإن العالم سيكون أفضل بكثير -له ولغيره- لو فعل كل الناس الأمور الإيجابية التي يمارسها ... وهذا ما يمكن مقارنته مع الأمور السلبية من الحقد والمكائد التي يمارسها موظفو المؤسسات الإدارية في الدول العربية .... حيث  يمارسون الوشاية والتقارير الكيدية والعرقلة المتبادلة.... ويمكننا تخيل التعاسة التي يكرّسونها والشقاء الذي يجذرونه في المجتمع... ومع ذلك تجدهم يعكسون هذه الصورة السلبية ويسقطونها على الغرب المادي الذي لا يرحم فيه الجار جاره ولا الأخ أخيه... 
يمكننا باختصار أن نقول إن هذه الأمة هي أمة "الإسقاط النفسي" بامتياز منذ أيام الدعوة المحمدية في يثرب.... فالإسقاط متجذر في النفسية الإسلامية ومحمد مارس إسقاطاته النفسية على اليهود ووصفهم بالخيانة والغدر والكذب على الله وأكل الحرام "سماعون للكذب أكالون للسحت".... ولا زال المسلمون يصفونهم بأوصاف القرآن التي تنطبق عليهم "بأسهم بينهم شديد" ..."تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" ... وتشبيههم بالحمار الذي يحمل أسفاراً  ... وهم الذين أخرجوا كل هذا الكم من العلماء والعباقرة.... وهم الذين هزموا ست جيوش عربية وكونوا دولة الديمقراطية والحرية رغم ظروف المواجهة مع دول تجاهر بالعداوة وتهددها ليل نهار منذ بداية نشأتها ولكنها لم تتنازل عن الحريات الدينية التي يتمتع بها العرب والمسلمون والمسيحيون والبهائيون على قدم المساواة مع اليهود ومن دون تفرقة...
لماذا لا نكفّ عن تشويه أمم العالم والإستعلاء والنظرة الفوقية ؟!... لماذا لا نعرف للآخر قدره بإنصاف واحترام متبادل ؟!.... بل لماذا لا نتعلم من الأمم الأخرى وما الضير في جلوسنا أمام هذه الأمم المتحضرة كتلاميذ ومتعلمين لنرتقي ونتقدم ؟!... لماذا المكابرة ونحن منبع العنف والإرهاب ؟!...
لماذا لا نقيّم أخلاقنا ونعرف لنظام حقوق الإنسان قدره وأهميته ؟!.... لماذا لا ننتقد ونجتث التقاليد والأعراف الظالمة التي تكرّس السادية والعنف ؟!.... 
وللوصول إلى كل هذا ... لماذا لا ننفتح على العالم ليغزونا بثقافته العصرية ونحقق الإنسجام والتناغم معه بدلاً من الصراع والنظرة العدائية ؟!...
ليتنا نعلم إن حكوماتنا نجحت في حفر خندق عميق -عبر عقود من الزمن- بيننا وبين الغرب ،بل بيننا وبين العالم، ومازالت تحافظ على وجود هذا الخندق رغم الثورات ، لأنه يساعدها على تكريس تسلطها وسرقتها لأقواتنا... واليوم بعد فشل الثورات تحاول إقناع الغرب بضرورة تعميق الخندق وتكريس القمع لئلا يصل الإرهاب إلى شواطئهم...
والحل الوحيد هو احترام الآخر... والثقة بالآخر... والتعامل معه على قدر المساواة... فلسنا خيراً منهم كما إنهم ليسوا خيراً منا ولكن كما هي سنة الحياة علينا أن نتعلم التعايش .... تعايش الإنسان مع الإنسان ... بطريقة إنسانية وحضارية بعيدة عن قانون الغاب.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق