الجمعة، 4 مارس 2016

البصقة

لقد كانوا يقودوننا في ساحة الحشر بفظاظةٍ وقسوة كأنهم يقودون أسرى حروب أو قطيع ماشية ....
كان هناك الملائكة ومعهم آخرون برتب عسكرية مرموقة ... وكانوا يقودوننا ليعرضوننا امام الله ....
والضباط يتقدمون الصفوف وينظمونها كأنها صفوف الصلاة ... وبعد ان اكتملت الصفوف ...ساد صمتٌ رهيب... والكل ينظر إلى وجهةٍ واحدة ...
كان صامتاً يجلس هناك والوقار يعلو جبينه ... وفيما كانت نظراته مليئةً غضباً وحنقاً كانت الشعوب تملأ الآفاق أمام ناظريه وهو يجلس على عرشه الممجد مرتفعاً فوق منصة القضاء ....
كان بعض الملائكة واقفون عن يمينه وشماله يهمسون في أذنه حيناً ... وفي حينٍ آخر يقدمون تقاريرهم ....
لاحظت إن بعض ضباط المخابرات كانوا يقفون هناك أيضاً ..... وكانوا يميلون على حضرة الله وهو يشير سائلاً عن بعض المجاميع البشرية الواقفة أمامه...
وفجأةً وجدت الله جل في علاه يشير بأصبعه الشريفة إلى المجموعة التي كنت واقفاً فيها ... وكان الضابط الذي يهمس في أذنه من معارفي .....
المجموعة التي كنت واقفاً فيها كانت مجموعة من الملحدين الإنجليز ...ويقودهم ريتشارد دوكنز .... وهذا طبيعي لأنني كنت أقرأ لهم كثيراً وأتأثر بهم .... بما أن الإنتماءات في يوم الحشر روحية وعلمية وليست قومية ولغوية فإن هذا كان هو مكاني الطبيعي ....
فناداني الله من على منصته العالية بصوته الرخيم والمجلجل .... وكان صوته يصل الى الجميع بنفس النسبة رغم بعده عنا ...
قال لي : ماذا تفعل هناك؟!
قلت : ألم يقل لنا نبيك إن المرء يحشر مع من أحب ؟! ..
فالتفت الى ذلك الضابط كأنه يستشيره.....
وسمعته يهمس له قائلاً : هذا يخصنا !!
فأشار إلي وقال:  لا ... عليك بالوقوف مع الليبيين !!
كانت مجموعة الليبيين بعيدةً نوعاً ما ...وكان يقودهم عبدالله السنوسي بوجهه الشبيه بالقرد وأذنيه التي كأنهما آذان فيله....
فأشار السنوسي بدوره إلى بعص أتباعه فقام بلسع ظهري بالسياط حتى وقفت في مؤخرة طابور الليبيين .... والملحدين الأنجليز ينظرون إليّ بشفقة .... ويتعجبون من هذه المعاملة المخزية والمذلة ....
كان الضباط يحيطون بصفوف الليبيين وتساندهم الملائكة يصنفون الناس فيضعون المتقين في الصف الأمامي فيما الفساق والملحدين في المؤخرة ...
لم أكن أعرف إن سلطان كلاب المخابرات يمتد إلى  ما بعد الموت ... بل كنت أعتقد إن الله سينصفني منهم كأي مواطن ليبي مسكين  ... بل ويجعلنا نطأهم كالذر يوم الحشر .... أليس هكذا قال النبي محمد ؟! ..... لكن الأمور لم تسر على هذا الشكل .... فالله يقف معهم دائماً ويسلطهم علينا ..ليس في الدنيا فقط بل حتى في الآخرة ....
وتحت تأثير الحنق والغيظ من هذا الإذلال وقفت منتصباً بشجاعة واتجهت فوراً إلى كرسي العرش ... وقفت هناك لبرهة وفيما كان الله ينتظر مني أن أسجد ... استجمعت شجاعتي ووجهت بصقة بملء فمي على هذا الإله "السطل" ...
بصقة غلّ تذكرك بتلك البصقة التي وجَّهَتْها سميّة لأبي جهل .... وقبل أن أنتظر الرد الجهنمي من الله جلّ في علاه .... أستيقظت مفزوعاً .... وأنا أحوقل وأستغفر الله.... وأحمد الله عزوجل على أنه كان مجرد حلم ....


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق