الخميس، 2 نوفمبر 2017

الدين الإسلامي ... إيمان حقيقي أم قناع يخفي العيوب ؟!





يفسر المسلمون القميص أو الثوب إذا رءاه شخص ما في الحلم بأنه الدين، فإذا رأى شخص نفسه في الحلم يلبس قميصاً أو يخلعه فمعنى ذلك إنه ينسلخ عن دينه أو يكتسب ديناً وتقوى...
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري: " قالوا : وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه، والأصل فيه قوله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير)
".
ثم يقول في نفس الموضع :" واتفق أهل التعبير على أن القميص يُعبّر بالدين"
أي أن هذا التعبير متفق عليه بين علماء الإسلام ومستنده الحديث الذي يقول فيه محمد : "بينما أنا نائم؛ رأيت الناس يُعرَضُونَ عليّ وعليهم قُمُصٌ؛ منها ما يَبْلُغُ الثَّديَّ، ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك؛ فعُرِضَ عليَّ عُمَرُ وعليه قميص يَجُرُّه"ُ، قالوا: "فما أوّلتَهُ يا رسول الله؟! "، قال: "الدِّين". (1)
وهذا مؤشّر على معنى الدين في الإسلام، وما هي وظيفته الإجتماعية وحقيقته وهدفه في حياة المسلم، وبما إن الأحلام لغة العقل الباطن فإن المسلم بطريقة لا واعية ينظر إلى الدين كستار أو قناع يخفي العورات (العيوب)، فالدين الإسلامي يركز على الظاهر " والله يتولى السرائر"، ولذلك يقول محمد:
"من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله عز وجل". (2)
وهذا تشجيع صريح على التستّر "بستر الله" على جرائم الفسق والفجور ، بحيث يصحّ للمسلم أن يعيش حياة مزدوجة بين الورع في الظاهر والفجور في السرّ ، وهذه الظاهرة تجعل المصلحين الإجتماعيين يعجزون عن معالجة ما يدور في العائلات المسلمة من تحرش وفجور خفيّ، فنسمعهم يقولون مثلاً :" إن المسلمين يحاولون دفن عيوبهم وأخطائهم تحت سجّادة الصلاة ويظنون ذلك كافياً لمعالجتها".....





ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما ورد في مسند أحمد إنّ رجلاً أتىِ عمر فقال إنّ امرأةً جاءت تبايعُه، قال :"فأَدخلتُها الدَّوْلَج (يقصد المخدع)َ فأصبتُ منها ما دون الجماع؟"، فقال عمر: "ويحكَ، لعلَّها مُغيبٌ في سبيل الله؟" (يعني إنها زوجة مجاهد في سبيل الله) ، قال:" أَجَل"ْ، قال: "فائت أبا بكر فاسأله"، قال: "فأتاه فسأله؟"، فقال: "لعلَّها مُغيبٌ في سبيل الله؟" ، قال: فقال مثلَ قول عمر، ثم اتَى النبي فقال له مَثلَ ذلك، قال: "فلعلها مُغيبٌ في سبيلَ الله؟ "، ونزل القرآن: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" إلي آخرِ الآية فقال: "يا رسول الله، ألي خاصةً أم للناسَ عامةَ؟"، فضرب عمرُ صدرَه بيده فقال:" لا، ولا نَعْمَةَ عَيْنٍ، بل للناس عامةً" ، فقال رسول الله : "صدَق عمر". (3) .. وفي سنن أبي داود نفس الحديث وإن عمر قال للرجل :" قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك" (4) ..
ولا غرابة في ذلك فكل ما دون الجماع داخلٌ في معنى اللمم، واللمم لا يحتاج إلى التوبة حسب كلام القرآن :"الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ، إنّ ربك واسع المغفرة" .... فهذا اللمم تطهّره الصلوات المفروضة من دون حاجة إلى استغفار كما في صحيح مسلم عن محمد قوله: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّراتُ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"... وفي جميع الحالات تبقى المطالبة بستر المعاصي من لب السنّة المحمدية ، حيث يقول محمد :" كلُّ أمّتي معافى إلا المجاهرين،  وإنّ من المجاهرةِ أن يعمل الرجلُ بالليلِ عملاً، ثم يُصبحُ وقد سترهُ الله، فيقول: يا فلان عملتُ البارحةٙ كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبحُ يكشف ستر الله عنه" (رواه البخاري ومسلم)...
يصدق أن يقال عن الإسلام إنّه "دين الظاهر والقشور" لأنه لا يولي للباطن اهتماماً ... فالظاهر كافٍ للحكم على الاشخاص .. إذا رأيتم الشخص "يعتاد المساجد .. فاشهدوا له بالايمان" .... و "رفع عن أمتي ما حدثت به أنفسها" ... "نحن نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر" ..... الخ من المقولات التي تنتشر على ألسنة المسلمين وتترجم حقيقة الإسلام...
حتى الإيمان بالله فالحكم عليه بالظاهر ولا عليك بما يعتمل في صدرك من وساوس... بل قد تكون في قمة إيمانك وأنت في سرك تسب الله ورسوله ... انظر الى محمد كيف يجيب صحابته حين صارحوه بما يعتمل في صدورهم من الشكوك والوساوس التي لا يستطيعون البوح بها أمام الناس... ولعلهم شكّوا في ألاعيب نبيهم المزيف ... فقالوا له: "إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به".... فيردّ عليهم محمد متسائلاً :" وقد وجدتموه ؟!"... وكأنّه هنا يحاول تحويل هذه الظاهرة المخيّبة للأمل إلى شيء معاكس تماماً ينبغي عليهم أن يفرحوا به !!... فيُردف محمد قائلاً :"ذاك صريح الإيمان !!"...(رواه مسلم).....
أي أن محمد لم يكن يهتم بإصلاح الباطن ... بل المهم هو ما يظهرونه له ... فهو يحتاج صحابته عوناً على تحقيق طموحاته الشخصية في السيادة والسيطرة فقط ، أمّا ما يعتمل في صدورهم من شكّ وريبة فليحتفظوا به في صدورهم ولا خوف منه لأنه لا يضر !!! ....
ولذلك كان محمد يعرف إن أكثر أصحابه منافقون ولم يشجّعهم على المصارحة بعدم الإيمان ، وخصوصاً من كان يسميهم "المؤلفة قلوبهم" ، وما هم إلا قومٌ من قريش قبلوا الرشوة ليندمجوا في المسلمين ولو ظاهرياً، أما المنافقين فقد كان محمد يحتفظ بقائمة سرية لأسماء بعضهم ممن حاولوا قتله بعد غزوة تبوك ، وكان حذيفة يعرفهم واحداً واحداً ، لذلك قيل إنه صاحب سرّ رسول الله، ولمّا دعا رجلٌ أمام حذيفة "اللهم أهلك المنافقين" قال له حذيفة مستدركاً :" لو هلكوا ما انتصفتم من عدوكم "(ابن أبي شيبة)..... أي إنّ أكثر من كانوا يجاهدون في صفوف المسلمين منافقون لا يؤمنون بمحمد وقرآنه بقدر إيمانهم بمنطق الغنائم ونكاح السبايا.




(1) السلسلة الصحيحة للألباني رقم ٣٦١٢ ورواه عبد الرزاق (٢٠٣٨٥) ، ومن طريقه: أحمد (٥/٣٧٣- ٣٧٤) ، والترمذي (٢٢٨٥) - واللفظ له.

(2) رواه البيهقي والطحاوي في "مشكل الآثار" والحاكم عن ابن عمر وإسناده جيد ( مختصر منهاج القاصدين والتحقيق لعلي حسن علي عبدالحميد) وفي السلسلة الصحيحة نفس الحديث بلفظ " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل ، فإنه من يبدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله "... رقم ٦٦٣.

(3) مسند أحمد تحقيق شاكر وصححه... والحديث بشكله المختصر في صحيح مسلم..

(4) سنن أبي داود تحقيق الأرنؤوط وقال محققه الحديث صحيح والإسناد حسن.


الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

محمد ونهاية العالم



كان محمد مقتنعاً في بداية الأمر بقرب قيام الساعة، وإنها ستقوم قبل وفاته، وهذه القناعة في رأيي لم تكن إلا عرضاً من أعراض مرضه الذي يتجلّى أحياناً في مظاهر من السوداوية والتشاؤم.
ومن أصح الأحاديث التي عبّرت عن هذه القناعة حديثه الذي يقول فيه :"بعثت أنا والساعة كهاتين" ( إشارةً إلى أصبعيه السبابة والوسطى وهما مقترنتين جنباً إلى جنب)، وهو حديث متواتر لا يحق لأحد أن يطعن فيه... بل إن النظرة المحايدة والموضوعية لأحاديث من هذا النوع تجعلنا نرجحها على القرآن، فالقرآن كان ولا يزال بدون أسانيد. صحيح إن المصحف كان موحّداً في وقت مبكّر وتحديداً في وقت الخليفة عثمان بن عفان، ولكن إذا نظرنا لطريقة جمعه قبل ذلك في عهد الخليفة أبوبكر لوجدنا ما يؤكد عدم دقته خصوصاً مع عدم حفظ غالبية الصحابة للقرآن بشكل كامل، ولذلك لم يكن غريباً أن نسمع إن أحد الصحابة جاء بآية لم يعرفها غيره ليضيفها أبوبكر إلى القرآن خلال محاولة جمعه، فكانوا كأنهم لم يسمعوها من قبل ولا حتى يعرفون أين يضعونها في ترتيب السور.
إذاً ، لا يمكن التشكيك في هذا الحديث المتواتر ، وكذلك في مدلوله الواضح الذي يعلن قرب قيام الساعة قبل وفاة محمد، فكيف إذا علمنا إنّ القرآن نفسه يؤكد هذه الحقيقة ولا يكذّبها ، فهو يقول :"اقتربت الساعة وانشق القمر" ويقول:"اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" ، والأدلة في الحديث والأثر كثيرة والمفتاح الرئيسي في نظري هو عمر بن الخطاب، فهو الرجل الثاني وهو المحدّث الملهم الذي يحتل مكانة قريبة من مرتبة النبوة، ومع ذلك حين يسمع بموت محمد يقولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ... ويقول (حسب رواية البخاري ) وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُم.. وفي رواية بمسند الدارمي يضيف عمر :"إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ عُرِجَ بِرُوحِهِ كَمَا عُرِج بروحِ مُوسَى" وهي رواية مرسلة رجالها ثقات كما يقول محقق الكتاب.
وهنا يتدخل أبوبكر ليصحّح كلام عمر ويتلافى بذلك فتنةً كبيرة كان يمكن أن تقع في المسلمين، وهذه الفتنة أساسها نبوءات محمد التي لم تتحقق ، فحسب ما ورد في رواية أخرى للبخاري : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وعمر يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: «اجْلِسْ»، فَأَبَى، فَقَالَ : «اجْلِسْ»، فَأَبَى، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل" ... ثم يردف الراوي: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا !!!!!!
وحقاً قد لا يكون الله أنزلها قبل ذلك ، ولكنها تلفيقات أبي بكر كما يبدو . 

مع قليل من التحليل نجد إن هذا الموقف يثير عدة تساؤلات .... 
أولاً: كيف لم يسمع عمر -وهو من هو - بالآية من قبل ؟!. ...فعمر حسب ما عُرِف عنه إنّه كان أحرص الناس على متابعة الوحي أولاً بأول، وهناك رواية عنه في البخاري تدلّ على ذلك حيث يقول :" كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُمْ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ َ، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ"

ثانياً- ما قصْد عمر بعروج روح محمد الى ربه "كما عُرج بروح موسى" ؟! وهل كان يقصد أن يقول "كما عُرِج بروح عيسى" ؟! وما الذي دعاه إلى هذا الإفتراض ؟!..... فمن المعلوم إن محمد كان مريضاً مرض الموت، وهو حالياً مسجّى في غرفته بدون حراك ولا نفس... وهي الصورة الطبيعية للموت، فما الذي ألجأه لهذا النوع من الإنكار ؟! ......
هل يمكن أن نقول إنّه لا يصدّق بموت محمد أم إنّه يريد اختلاق "عقيدة الغيبة والرجعة" والسيطرة بها على مقام النبوة كما فعل وكلاء المهدي عند الشيعة عندما ادّعوا إن المهدي حي لم يمت وهو غائب عن الخلق لا يراه إلا من عُرِفوا لاحقاً بالسفراء، وبالتالي اختلقوا الرسائل والوصايا بإسمه !!!

كل هذه التساؤلات تقود إلى وجود عقيدة طُمست أو شوِّهت بعد وفاة محمد، وكان من الممكن أن يُرسي دعائمها "عمر" لولا مخالفة "أبي بكر" له . وتفاصيل السيرة تؤكّد إن موت محمد كان صدمةً غير متوقعة حتى إنّ الذهول والحيرة غطيا على مشاهد الحزن ، مما يدلّ على إن موته في ذلك الوقت كان يناقض تنبؤاته وعقيدته بشكلٍ لا يمكن استيعابه ، ومما يؤكّد إن موقف عمر لم يكن استثنائياً رواية ابن سعد في الطبقات الكبرى عن أبي سلمة حيث قال: اقتحم الناس على النبي في بيت عائشة ينظرون إليه فقالوا : كيف يموت وهو شهيدٌ علينا ونحن شهداء على الناس فيموت ولم يظهر على الناس ؟ لا والله ما مات ولكنه رُفع كما رُفع عيسى بن مريم وليرجعن ! وتوعّدوا من قال إنّه مات ونادوا في حجرة عائشة وعلى الباب: لا تدفنوه فإنّ رسول الله لم يمت ! .....

احدى آليات التلفيق هنا تستلزم تأجيل موعد الساعة ، وهنا يقرر الصحابة أن يؤجّلوا موعد الساعة لمئة سنة إضافيّة ، حيث يروون إن محمد أخبرهم بأمرٍ آخر قد يكون تفسيراً محتملاً لقوله " بعثت أنا والساعة كهاتين"،فمن القرن إلى القرن الذي يليه كما بين السبابة والوسطى والمسافة الزمنية بين القرنين قريبة !!! ... فلماذا الإستعجال وقلة الصبر ؟! ... يروي الحديث إن محمداً قال لأصحابه ( وذلك في إحدى الليالي قبل وفاته بسنة) :"أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن رأس مائة سنةٍ منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" (صحيح البخاري وهو حديث مشهور روي عن عبدالله بن عمر وجابر وغيرهما )
.
وهذا الحديث رغم قوة أسانيده يثير كثيراً من التساؤلات إذا قارنّاه بالموقف الذي اتّخذه عمر، فهل أدرك محمد قرب وفاته فتدارك خطأه في قرب قيام الساعة فأجّلها مئة سنة إضافية ، أم إن الصحابة هم الذين حاولوا تلفيق ما ورد عن محمد من أحاديث سابقة تناقلها الناس، أم إن عمر كان يهذي كعادته ومكانته العلمية الحقيقية لا تتعدّى مرتبة جاهل حقيقي حتى بمبادئ الإسلام الأولية ؟! كل هذه الإحتمالات واردة وكلها تؤكّد إنّ جوهر دعوة محمد مبنيّ على نبوءة أساسية بقرب قيام الساعة ... إمّا في حياته أو في القرن الذي بعده... لكنّها لا يمكن أن تتأخر إلى أبعد من ذلك وإلا كان محمد كذّاباً أو موهوماً... وهنا تكون الكارثة التي ما بعدها كارثة !!!

هذا التلفيق الأول ( إذا صحّت تسميته تلفيقاً ) كان في المرحلة الأولى ألا وهي مرحلة "حياة محمد أو حياة صحابته" حسب الاحتمالات التي ذكرناها، ولكن مرور مئة سنة بدون حدوث شيء يستلزم تلفيقاً آخر يقوم به من بعد الصحابة من رواة الأحاديث لذلك اختلق السلف ( أو فلنقل بعض المحدثين ) حديث " الآيات بعد المئتين"
(سنن ابن ماجة والحاكم والسلسلة الضعيفة للألباني رقم ١٩٦٦) فبما إنه لم يحدث شيء بعد مرور المئة سنة الأولى فقد تمّ تأويل الحديث المئة سنة إنّه يقصِد "لن يبقى أحد من الذين كانوا أحياء في تلك اللحظة بعد مئة سنة"، وهذا تلفيق في قمة الغباء لأن أعمار الناس لم تكن تتجاوز المئة سنة إلا في القليل النادر، ومحمد نفسه اعترف بهذا حين قال :" أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك " (السلسلة الصحيحة للألباني رقم ٧٥٧) ، أم إنّه كان يقصد الأمم الأخرى ؟! وهذا من الصعب بل من المستحيل التحقق منه. ومع كل ذلك فنبوءة بهذا الشكل عبثية لا معنى لها ولا تكون ذات معنى مناسب للسياق إلّا إذا قصد بها محمد انتهاء عمر الكون وقيام الساعة بعد مئة سنة من تصريحه بالحديث وهو المقصود الصحيح من الحديث على فرض ثبوته.
المهم ان الذين لم يخطر على بالهم هذا التأويل اختلقوا حديث المئتين.... ولما لم يحدث شيء من علامات الساعة بعد المئتين قالوا إنّ المقصود بها المئتان بعد الألف
(حاشية السندي على سنن ابن ماجة) ، وأظن إنّ هذا الرأي لم يؤخذ بشكل جدّي والعلماء عموماً أهملوا هذا الحديث بالتضعيف أو عالجوه بالتأويل ، وهذا أمر طبيعي ما دامت النبوءات التي فيها لم تتحقق، فالبخاري يقول عن حديث المئتين: " فقد مضى مائتان ولم يكن من الآيات شيء ". ولهذا جزم ابن القيم في كتابه " المنار المنيف" بوضعه.
وأحاديث (علامات الساعة) عموماً كلّها تنتهي إلى نفس النتيجة، فهي إمّا مضعّفة أو مؤوّلة أوينتظر عامّة المسلمين وقوعها بفارغ الصبر، والنظرة الموضوعية الحياديّة تؤكّد إن هذه الأحاديث خرجت من فم شخص يعاني نظرة سوداوية وينتظر نهاية العالم في وقت قريب قبل وفاته، ولكنّ شيئاً مما توقعه لم يحدث ولن يحدث. ومع ذلك مازال الكثير من المسلمين اليوم ينتظرون أن يأتي الزمان بما قد يثبت صدق نبيهم رغم فوات موعد تحقق هذه النبوءات بمئات السنين !!.

خاتمة فرعون وموسى في ضوء السنة النبوية



عن ابن عباس قال محمد : " لما أغرق الله فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، فقال جبريل: يا محمد، فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه، مخافة أن تدركه الرحمة ." (١) 

يقوم هنا الملاك جبريل بمنع وصول شهادة فرعون الى الله مع العلم إن محمداً يقول بأن الأعمال بالنيات وإن الله يعلم "السرّ وأخفى" فما جدوى تكميم الأفواه إذا كان الله يعلم ما في الصدور ؟..
مع قليل من التحليل نجد هذا الكلام يتوافق مع أو يفسّر أو فلنقل يبرر تفاصيل القرآن...
ففرعون حسب الرواية القرآنية يؤمن خلال غرقه وقبل أن يموت يقول "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل".. ولكن في موضع آخر يؤكد القرآن دخوله لجهنم :"أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" .... فكيف يستقيم الأمر مع هذه التناقضات ؟!
نقول...نعم يستقيم عند ملء الثغرات بأحاديث خرافية مثل المذكور أعلاه....
التفاصيل مغرقة في التخريف والغباء... وتصف أغبى عمل يقوم به ملاك مرسل من الله...
وحتى إذا افترضنا جدوى هذا العمل فلا ينكر أحد إنه عمل شيطاني حقود لأن الملك جبريل يحاول هنا معاندة الله ومنع قضاءه بوضع الوحل في فم الفرعون ...
ولو افترضنا على سبيل المحاججة إن الله لم يرد لفرعون أن ينطق بالشهادة ولذلك سخّر جبريل ليمنعه من نطقها فإننا نكون أمام إله عديم الرحمة لا يريد لمن رأى جبروته وعظمته أن يشهد بها ولا يريد لمن ندم أن ينطق بالإستغفار وهذا منتهى الطغيان وانعدام الرحمة ....
بعبارة أخرى نستطيع القول إن العمل الذي يقوم به جبريل هنا هو منع النطق بالشهادة لكي لا يضطر الله ( مُحرجاً ) لإدخال فرعون الى الجنة ... وكأن الإيمان كلّه عند محمد محصور فقط في النطق بهاتين الكلمتين ... مما يعني تسطيح الإيمان والتعامل معه بطريقة الطلاسم والسحر...
ومثل هذا الموقف الغريب بالمناسبة حدث ما هو أغرب منه مع النبي موسى ....حيث يلطم موسى ملك الموت ليمنعه من قبض روحه رغم إن النبي موسى يعلم إن الملاك ينفذ مهمة الله لا أكثر ولا أقل. ولنا أن نتساءل هنا لماذا لا يجيب هذا النبي الكريم داعي الله مع انه القائل عند دخوله إلى جبل الطور "وعجلت إليك ربي لترضى"....
نص الحديث :
" جاء ملك الموت إلى موسى فقال: أجب ربك.فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، فرجع الملك إلى الله عز وجل فقال: إنك بعثتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فرد الله عينه وقال: ارجع إلى عبدي وقيل له: الحياة تريد ؟! ؛ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، في دارت يدك من شعرة فإنك تعيش لها سنة، قال: ثم ماذا ؟ قال: الموت. قال: فالآن يا رب من قريب". ( متفق عليه ) (٢)

ويمكن بتحليل بسيط لهذا الموقف فهم نفسية محمد ومشاعره الحقيقية تجاه موسى، فإظهاره بشكل من يصفع الملك يدل على كره هذا النبي العظيم للموت ، مع العلم إنّ كراهية الموت أمر مذموم عند محمد ولطالما عيّر بها اليهود حيث خاطبهم في القرآن متحدّياً :"فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ، ولن يتمنوه أبدا بما قدّمت أيديهم والله عليمٌ بالظالمين"، بخلاف موقف فرعون السالف الذكر الذي يدل على الإعتذار له من حيث إنّه تاب وعرف ربّه قبل موته ، وبالرغم إنّ الملاك كان له بالمرصاد نستطيع القول إنّ الأعمال بالنيّات كما يقول محمد في الحديث المشهور عنه ، والمانع الفيزيائي المتمثّل في الوحل لا يلغي رغبته الحقيقية في النطق بالشهادة، وبالتالي فإن الصورة تمثّل تعاطفاً خفيّاً من محمد مع هذا الفرعون وبالمقابل كرهاً خفيّاً للنبي موسى.
وبالتالي فإن جوهر الموقفين يوحي بأن فرعون هو موسى وموسى هو الفرعون في العقل الباطن لمحمد ؟!
ومواقف محمد تجاه اليهود تفسّر هذا الحقد، حيث نستطيع القول إنّه ردّ على خذلان اليهود له وعدم إيمانهم به بتشويه خفي لنبيهم موسى وذلك بصورة لاواعية ثم بتلميع صورة عدوّهم فرعون. وبالرغم من إنّ محمد كان يجامل اليهود ظاهريّاً ويدّعي إنه أقرب الأنبياء شبهاً بموسى فإنّه كان يحنق على اليهود ويكتم ذلك وإذا أراد تفريغ شحنته الحاقدة تلك فيهم فإنه يحيلها إلى الوحي الإلهي، فالله يخبره بمؤمراتهم، والله كذلك يحكم بإبادتهم من فوق سبع سماوات وما على النبي وصحابته إلا التنفيذ.
ويجعلنا هذا نتسائل عن كلّ صور التكريم المزيّفة وعن جدوى تخصيص جزء كبير من القصص القرآني لليهود وأنبيائهم ؟! ألم يعلم ربّ محمد مسبقاً إنّ كل مجاملاته لهم لن تفيد في جعلهم يعترفون به نبياً !! ...


__________________________________________________

1- أخرجه الطيالسي في " مسنده " (٢٦١٨) : وأخرجه الترمذي (٣١٠٧) والحاكم (٢ / ٣٤٠، ٤ / ٢٤٩) وأحمد (١ / ٢٤٠، ٣٤٠) وابن جرير (١٧٨٥٩) . السلسلة الصحيحة للألباني رقم ٢٠١٥
2 - ذكر الألباني هذا الحديث في السلسلة الصحيحة تحت رقم ٣٢٧٩ وجمع ألفاظه والزيادات التي وقعت فيه، وساقها سياقاً واحداً ؛ ورغم إن الحديث يبدو موقوفاً على أبي هريرة فإن العبارة الأخيرة تدلّ على إنه مرفوع إلى محمد ، أي إنه يرجع إلى محمد ككل الأحاديث الصحيحة المروية عنه.




الأربعاء، 28 يونيو 2017

الخوارج.. تلاميذ مدرسة القرآن

هذه الفرقة هي التي فضحت المسلمين قديماً وها هي تفضحهم حديثاً في صورتها العصرية "داعش"، ولو سألتَ جميع العلماء عمّا ترتكبه داعش وهل هو مخالف للإسلام .. لعجز عن إثبات ذلك !
في الحقيقة لم يكن الخوارج يختلفون عن بقية المسلمين في شيء إلا في خروجهم على الحكام ولم يكونوا في بدايتهم أصحاب عقيدة ولا فكر بل كانوا عبّاداً زهّاداً على طريقة أبي بكر وعمر .. حتى إن الشهرستاني يقول في الملل والنحل :" كل من خرج على الإمام الحقّ الذي اتفقت الجماعة عليه يُسمى خارجياً" .. ولو وجد تعريفاً جامعاً مانعاً أكثر من هذا لذكره..
لذلك وُضعت عنهم الاحاديث في عهد الدولة الاموية .. وصاغوا حديثاً غريب الشكل والمضمون يقول:"الخوارج كلاب أهل النار" .. صححه الألباني رغم إنه يعلم إن اسم الخوارج لم يظهر إلا في وقت متأخّر..
وحين نحاول تتبّع تاريخ هذه الفرقة نجدهم ينسبونها الى موقف بسيط يقوم فيه محمد بتقسيم الغنائم فيعترضه " رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ،مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ ،مَحْلُوقٌ .. فَيقولَ:" اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ".. فَيرد عليه محمد:" مَنْ يُطِعْ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَأْمَنُونِي؟".. فَيسأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ (يقول الراوي: أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ) فَيمَنَعَهُ محمد.. فَلَمَّا وَلَّى.. قَالَ:" إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا ،أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا، قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ". (صحيح البخاري)
ويدّعون بهذا الحديث إن محمداً تنبّأ بظهورهم ، والغرض من هذه الأحاديث –بما فيها من الزيادات المختلقة - هو تنفير المسلمين منهم، لأن أعمالهم كانت مطابقة للإسلام بشكل يفتن المسلم العادي ويجعله يحتار في أمرهم.. وعندها لا يجد الفقهاء ما يرقعون به الموقف إلا اختراع هذه الأحاديث التي لا تأتي بخلاف حقيقي بين صورة الإسلام المحمدي والإسلام الخوارجي .. إلا كونهم على غير هوى السلطان كما كانوا في عهد الدولة الأموية ..
هناك حديث يترجم التماهي والإمتزاج بين الإثنين وعدم وجود خلاف حقيقي عدا الهوى والمزاج الغيبي للنبي محمد..
ففي السلسلة الصحيحة للألباني ( الحديث رقم 2495 ) أن محمد مرّ برجل ساجد - و هو ينطلق إلى الصلاة - فقضى الصلاة و رجع عليه وهو ساجد ، فقام النبي فقال : "من يقتل هذا ؟".. فقام رجل فحسر عن يديه فاخترط سيفه و هزّه ثم قال : "يا نبي الله ! بأبي أنت و أمي كيف أقتل رجلاً ساجداً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده و رسوله ؟".. ثم قال : "من يقتل هذا ؟".. فقام رجل فقال :" أنا" . فحسر عن ذراعيه واخترط سيفه وهزّه حتى ارعدت يده فقال : " يا نبي الله ! كيف أقتل رجلاً ساجداً يشهد أن لا إله إلا الله ، و أن محمداً عبده و رسوله ؟".. فقال النبي: " والذي نفسي بيده ، لو قتلتموه لكان أول فتنة و آخرها "!! .



وبالتالي فإن مما يدل عليه الحديث إنّه لا فرق يُذكر بين المسلم والخوارجي إلا كثرة التعبّد بالصلاة ، وهذا أمر غير منطقي بالمرة لا يدلّ إلا على إن الذين يأخذون الإسلام بشكل جدّي مؤهّلون أكثر من غيرهم لأن يكونوا خطراً حقيقيّاً على المجتمع ، وهكذا كانوا طوال التاريخ الإسلامي. و رغم عدم شكّنا في اختلاق الحديث فإن اختلاقه بهذا الشكل يدلّ على حيرة المسلمين في إيجاد فارق حقيقي بين الإسلام وأفعال الخوارج !..
وهناك شهادات متنوعة عن تقوى الخوارج وإخلاصهم وصدقهم في كتب السيرة والتاريخ ، حتى إن علماء الحديث كانوا يثقون في ما يرويه الخارجي أكثر من ثقتهم في أحاديث أهل السنة..
يقول عنهم ابن عباس حين التقى بهم لأول مرة :" فدخلت على قوم لم أر قوما قط أشد اجتهاداً منهم ، أيديهم كأنها ثفن الابل ، ووجوههم معلمة من آثار السجود!"..
ورغم هذا لم يكن هؤلاء العباد الورعين يتورعون عن قتل الأطفال والنساء كما تفعل داعش اليوم ، وإذا أخذنا اعتبارات الصدق والإخلاص والحرص على تطبيق القرآن والحديث فإنه يمكن استنتاج إن الصورة التي طبّقوها للإسلام هي الإسلام الحقيقي التي كانت في عهد أبي بكر وعمر، بل يمكننا أيضاً تحكيم أفعالهم على الحديث النبوي لنعرف الصحيح من الموضوع ، ومن الأمثلة على ذلك حديث "الأئمة من قريش"، فهم كانوا يرفضون اشتراط كون الأمير قرشياً .. والتحليل الصحيح للتاريخ يشهد لوجهة نظرهم بالصحة و يضع الحديث على المحك، فهل يُعقل أن يكون هذا الحديث مجهولاً عند الصحابة الذين اجتمعوا في السقيفة بعد موت محمد، بحيث أصبحوا يتنازعون الإمامة بين القرشيين وأهل المدينة، ولم يستدل أحدٌ منهم بهذا الحديث ؟!.
فالخوارج هم الثمرة الحقيقية للإسلام الصحيح ، والثمرة الحقيقية للتربية القرآنية التي ظهرت لمحمّد بوادرها قبل وفاته حين اكتشف إن مدرسته القرآنية لا تُخرّج إلا القتلة والسفاحين..حتى إنّه قال "أكثر منافقي أمتي قراؤها" (صححه الألباني).. لئلا يغترّ أحدٌ بأي مسلم يتلو القرآن ويتعبّد به ..والمقصود طبعاً إخراج مطبّقي الشريعة القرآنية عن مُسمى الإسلام، وهذا مستحيل مع كونهم يطبّقون الشريعة بحذافيرها ، لذلك لجأ الى وصف النفاق الذي يعني الكفر الخفي ..
فبالله عليكم ما جدوى كلام الله إذا لم يقم بتربية أخلاق المؤمنين به ؟ .. وكيف يتوجّس نبي مرسل من الله في المتعبدين بتعاليمه بهذا الشكل إلا إذا كان لا يؤمن بأنها من الله حقّاً ؟!.

الثلاثاء، 27 يونيو 2017

العفة في الإسلام .. أصيلة أم مصطنعة ؟!

لم يكن المسلمون يعيشون في وسط يوحي بتحريم الشهوات... فتعدد الزوجات ونكاح ملكات اليمين ثم زواج المتعة من الظواهر التي أعطت انطباعاً بشهوانية الإسلام  ..
حتى إن الزواج في حد ذاته لم يكن بالشكل المقنن المعروف اليوم بل إننا نرى المرأة في بعض مشاهد السيرة وهي تعرض نفسها على النبي كما نرى في مشاهد أخرى النساء المأسورات وهن يُنكحن بدون رضاهن ولا حضور أهلهن وبدون مراسم تؤكّد أهمية الموضوع ... ويكفي أن نعرف إن الرسول إقرّ نوعاً من زواج المتعة شبيهاً جداً بممارسة الدعارة التي نعرفها اليوم فالرجل كان يعرض على المرأة الإستمتاع الجنسي لأيام معدودة مقابل قبضة من التمر أو قطعة من الثياب، هكذا بكل بساطة مما يؤكّد سهولة الحصول على المتعة الجنسية في عهد النبي، وفي تلك الأثناء لم يكن أحد من المسلمين يلتفت للأحاديث التي يتناقلها الوعاظ اليوم عن تحريم النظر والزهد والورع بقدر التفاتهم للوقائع التي يرونها والجو الجنسي الذي يعيشونه...
وبالتالي فإن آيات تحريم الزنا وُضعت في إطار حفظ الأنساب ولم يكن هناك مجال لفهم أسباب أخرى لتحريم الزنا ، بل إن آيات الحجاب نفسها شجعت هذا الفهم حيث عللت الحجاب ب "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" .. وليس لحفظ البصر والقلب من الشهوة الجنسية ، وذلك بخلاف وصية الانجيل "من نظر الى امرأةٍ ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه"....
ومن المعروف إن سبب نزول آية الحجاب كان التحرش الجنسي الذي كان يمارسه بعض الشبان بالنساء أثناء ذهابهن لقضاء حاجتهن في الخلاء، فالحجاب كان علامة على كون المرأة حرة من نساء المسلمين أما الإماء فقد حُرّم عليهن ذلك مهما بلغن من الجمال والفتتة،  مما يدل ضمنياً على إباحة هذا الأمر مع الإماء أو الكافرات مثلاً، وبالتالي فلا يمكن أن يكون الموضوع هنا هو تطهير القلوب والأبصار من الإستمتاع الجنسي...
وهناك إشارة واضحة في آية أخرى الى وجود ممارسات للدعارة بين الإماء لمصلحة مالكيهن، وإذا افترضنا البلاغة المتناهية والدقة والإحكام في الأسلوب القرآني فإننا سنضع ألف علامة استفهام على مدلول الآية ... فالآية تقول :" ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً"... حسناً ،وماذا إذا كانت الأمة تستمرئ ذلك ولا تمانع فيه ؟ أي أنها غير مُكرهة على الزنا ولا ترغب في الإحصان بالزواج الشرعي ؟
نستنتج من ذلك إن القرآن لم يكن يأمل في إصلاح ضمائر المسلمين بقدر رغبته في حماية زوجات هؤلاء المسلمين، وزوجاتهم فقط وليس زوجات الكفار أو الإماء التي لا حقوق لهن، وحتى تفاصيل بيع الإماء في سوق الرقيق لم تكن تدل على احتشام أو مراعاة لغض البصر.. وذكرنا سابقاً في مقالٍ آخر ما كان يفعله عمر بالإماء المعروضات للبيع ... مما يدل على إن مصادر إثارة الشهوات لم تكن ممنوعة في المجتمع الإسلامي، ولم يكن أحدٌ يلتفت إلى العفّة كما يتصورها المسلم المعاصر.

كيف انتقم محمد من أعداءه

الصراعات هي التي تكشف جوهر الأخلاق لدى المتصارعين، وتمكّن من تحليل ما بُنيت عليه النفوس وما فُطرت عليه القلوب؛ مهما حاول أصحابها إخفاء ذلك..
ومما فتح الله به عليّ في هذا المجال إن طريقة الإنتقام أو الأخذ بالثأر من العدوّ  وتحديداً التفاصيل التي تحدث أثناء موقف القصاص أو الإنتقام هي التي تكشف أكثر من أي شيءٍ آخر جوهر الأخلاق ، فجوهر الخلق يكمن في المكان الذي ترمي فيه عدوّك وتتخلص فيه منه..
كيف تتمنى أن تتخلص من عدوك إذا تمكّنت منه ؟!
هل سترميه في السجن.... أم إنّكٙ ستحكم عليه بالإقامة الجبرية.. أو تضعه تحت المراقبة... أو تنفيه الى خارج الوطن.... أو تحرقه أو تقتله وترميه في حفرة عميقة أو في الزبالة.
فإذا رميته في الزبالة-وهذا أشنع الأمور- فهذا مؤشّرٌ على أمرٍ خطير وخلقٍ غير محمود، لأن هذا النوع من الإنتقام يعني إن قلبك وضميرك هما "الزبالة" أي أن أخلاقك أوسخ مما يتخيله بشر، وإذا رميته في حفرة عميقة فهذا إشارةٌ إلى عمقِ الحقدِ فيك، وإذا نفيته إلى مكانٍ ما خارج الوطن فبقدر ما يكون في ذلك المكان من شظف وسوء معيشة ومهانة تكون أخلاقك ، وإذا حكمت عليه بتقييد الإقامة في المنزل فهذا يدل على إن تربيتك مقيّدة بالأخلاق العائلية ،وإذا رميته في سجن معزول ومنعت عنه الزيارات فهذا يدلّ على إنك تخشى مواجهة نفسك وما فيها من أحقاد ونقص وتخاف أن يطّلع عليها الناس... وهلمّ جرّا.
كتبت هذا المقال بمناسبة ما فعله جنود حفتر حين هاجموا إحدى تجمعات "الإرهابيين" غرب بنغازي، حيث رموا بهؤلاء "الإرهابيين" في القمامة ثم أمطروهم بالرصاص ، وبالمناسبة لم نعد نعرف من هو "الإرهابي" في هكذا مواقف، لكن الإعلام دأب على تسميتهم إرهابيين والبعض يسميهم ثوار.
المهم في الموضوع إن ثمّة متطرفين سلفيين في كلا الطرفين، فحفتر يستعين بالسلفيين المداخلة وهم يوفرون له الفتاوى المناسبة للإنتقام من الأعداء، وكذلك الطرف الآخر يستعين بأنصار الشريعة ، وكلاهما ذو خلفية سلفية. لذلك لا نستغرب إذا كان محمد وأصحابه هم السبّاقون في هذه الأفعال الشنيعة، فالرسول رمى أعداءه من المشركين في بئر بدر بعد قتلهم ولم يوفر لهم دفناً مشرّفاً رغم إن المسلمين عادةً ما يستدلون بآية "ولقد كرّمنا بني آدم" حين يتعاملون مع الميت أياً كانت ديانته.
وبالتالي لم يكن قتال محمد لأعداءه من قبيل ردع العدو ونشر الدين بل للإنتقام، وشكل هذا الإنتقام ينبئ عن حقد دفين "عميق" بعمق بئر بدر، كما كان أتباعه السابقون والمعاصرون بانحطاط أخلاقهم أوسخ من الزبالة التي يرمون فيها أعداءهم.
هكذا هي قلوب المسلمين أما المسيح فيقول : " وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،
لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ ".

الجمعة، 17 مارس 2017

محمد.. الساحر المسحور


يتحدث ابن عباس عن شيطان اسمه الأبيض كان يأتي لرسول الله وفي نفس الوقت نجد محمداً يصف جبريل بلباسه البياض... ونجد أحاديثاً تنصح باللباس الأبيض وإحرام الحج باللون الأبيض والتكفين في قماش أبيض.... فكيف يتصف الشيطان باسم الأبيض ؟ ولماذا لا يكون "الشيطان الأبيض" هو نفسه "جبريل" ؟!
قال القرطبيُّ في تفسيره: وقد قال ابن عباس: إن شيطانا يقال له الأبيض كان قد أتى رسول الله في صورة جبريل وألقى في قراءة النبي " : تلك الغرانيق العلا، وأن شفاعتهن لترتجي"...
وفي تفسير قول القرآن: " وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شيطان رَّجِيمٍ "، قال عطاء :" يريد بالشيطان الشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبيّ في صورة جبريل يريد أن يفتنه" (1) . 
وفي حديث قتل الحيات قال ابن مسعود « اقتلوا الكبار كلها إلاّ الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة » (2)
قال البغوي روى عطاء وغيره عن ابن عباس قال:" كان راهب فى الفترة يقال له برصيصا يعبد فى صومعة له سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة، وان إبليس اعياه فى امره الحيل فجمع ذات يوم مردة الشياطين،فقال: الا أجد أحداً يكفينى امر برصيصا ،فقال "الأبيض" وهو صاحب الأنبياء وهو الذي تصدى للنبى وجاءه فى صورة جبرئيل ليوسوس على وجه الوحى فدفعه جبرئيل الى أقصى ارض الهند فقال الأبيض لابليس: انا أكفيك .....الخ القصة"  (3)  .

معروف إن مرحلة ما قبل الهجرة ( المرحلة المكية) شحيحة في تفاصيلها فلا أحد يعلم على وجه الدقة شكل الإسلام قبل حادثة الإسراء والمعراج، كيف كانت الصلاة الثنائية التي يصلونها ؟ وأين ضاعت أحكامها ؟ وما هي الإختلافات عن شكل الصلاة في المرحلة المدنية ؟... لكن مع ذلك نجد الصحابي ابن مسعود ببساطته التي عُرف بها الرعاة ، يروي تفاصيلاً غريبة عن تلك الفترة ، بعضها لا يخدم الإسلام بقدر ما يفضحه ويشكك في أساساته... فهو مثلاً يروي طريقة غريبة في الركوع كان يمارسها محمد يطبق فيهما كفيه ويضعهما بين ركبتيه، ويروي إن المعوذتين ليستا من القرآن ويمسحهما من مصحفه، ويروي حادثة انشقاق القمر (التي ربما تكون حادثة خسوف بسيطة هولها محمد واستغلها لمصلحته) ، وأخيراً يروي حادثة اجتماع محمد مع جن "نصيبين" (4) وتفاصيل اللقاء تشبه التفاصيل الموجودة في مسرحية" فاوست" والمتعارف عليها عند السحرة، فمحمد يرسم دائرة حول ابن مسعود ويقول له إنه إذا خرج منها ستخطفه الشياطين ؟! ... فمن أين تعلم محمد هذا ؟!... 



حاول محمد طوال فترة دعوته طمس العنصر الشيطاني في رسالته ، ومع ذلك تسربت بعض التفاصيل التي تكشف علاقته بالجن وخصوصاً في قصة "الغرانيق العلى" الواردة في صحيح البخاري... 
وكذلك يذكر في حديث له مع زوجته َ عَائِشَةَ أَنَّه قَالَ لها :أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ ؟.قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ مَعِيَ شَيْطَانٌ ؟.قَالَ:نَعَمْ. قُلْتُ:وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ ؟.قَالَ:نَعَمْ. قُلْتُ:وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟.قَالَ:نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ.

 مع بعض التحليل النفسي لسورة الجن تنكشف الحالة النفسية العصيبة لمحمد وهو يحاول جاهداً أن يثبت قدرته على فصل العنصر الشيطاني عن الإلهي فيقول مخاطباً الجن :" قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا"... أي إنني حين أتلو القرآن أتقرب به الى ربي وليس اليكم يا معشر الجن!
والسؤال هنا لماذا يضع ذلك في اعتباره ؟ .. الوضع الطبيعي أن تحترق الجن والشياطين لمجرد رؤية النبي وهو في حالة تجلٍّ أو وحي!!... أليس القرآن يقول :" هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ " ؟! .. ألا يفضح هذا محمداً ورسالته ؟! ..وحتى مع افتراض ان هناك "جن مسلم" يختلف عن الشيطان وهذه فرضية غريبة خُلقت لتبرر اتصال محمد بهؤلاء الجن، فإن المنتظر حسب الإعتقاد الإسلامي المعهود أن يكونوا خداماً مطيعين لهذا النبي وليس أن يخاطبهم بهذا الشكل الخانع وكأنهم كانوا ينتظرون منه السجود لهم وعبادتهم من دون الله؟!... 
الحالة النفسية لمحمد في سورة الجن لا تدل على مركزٍ من هذا النوع، فهم التفوا عليه وأحاطوا به "لبداً" (5) ، وهذا تصوير يدل على كثرة الوسوسة وقربها الشديد من رأسه وإحاطتها التامة برأسه الى درجة الإلتصاق حتى انها أصبحت كذلك الشعر الكثيف المحيط برأس الأسد من جميع الجهات، ولأن محمد أراد -كما يبدو- أن يتخلص منهم حاول قراءة القرآن -لاعتقاده بأنه يحتوي طلاسماً قوية لطرد هؤلاء الشياطين- فلم تفلح ، وحادثة التقاءه بالجن هذه كانت -حسب تفاصيل السيرة- بعد موت زوجته خديجة التي حاولت عبر السيطرة عليه أن تقنعه بأنه نبي وليس ذلك الزوج الذي تحضره الشياطين وتتلاعب به، ومن خلال السيرة نجد إن تلك الفترة قبل الهجرة بقليل كانت فترة نفسية صعبة على محمد فقدْ فقدَ عمه ثم زوجته ثم هاجر للطائف فرماه صبيانها بالأحجار(6)، ثم تأتي مرحلة الإسراء وتروي مشاهد السيرة إن عمرو بن هشام استدرجه الى رواية حادثة الإسراء أمام الناس ليثبت جنونه وكذبه في حين ان ابنة عمه التي بات عندها حاولت منعه بشتى الطرق (7)، وكلا المشهدين  يدلان على ضعف نفسي شديد كان يعانيه محمد في تلك الأوقات مما جعله يقع فريسة الأوهام والهلوسات!...
لذلك نقول إن سورة الجن جاءت في ظروف نفسية أضعفت محمد أمام الجن فجعلتهم يحيطون به  "وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا"، ولم تفلح طلاسم القرآن في إبعاد الجن ، فخاطبهم قائلاً: :" قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا"!
هناك صور أخرى لحضور الجن مع محمد تجعله يضحك لوحده أحياناً ومن دون سبب، وهي صفة معروفة لكل من تحضرهم الشياطين، ففي الحديث  عن أنسٍ ، عن أمِّ حرام وهي خالةُ أنسٍ -وهي بالمناسبة أجنبية عن محمد- ، قالت : " أتانا رسولُ الله يوماً فقالَ عندنا (أي نام عندنا) ، فاستيقظ وهو يضحكُ ، فقلتُ : ما يضحكك يا رسولَ الله ، بأبي أنت وأمي ؟ قال : ناسٌ من أمتي يركبون البحرَ  كالملوكِ على الأسِرّة في سبيلِ الله ، فقلتُ : ادعُ الله أن يجعلَني منهم ، فقال : أنتِ منهم. قالت : ثم نام ، فاستيقظ ـ أيضاً ـ وهو يضحك ، فسألتُه ، فقال مثل مقالتِهِ . فقلت : ادعُ الله أن يجعلني منهم ، قال : أنتِ من الأولِينَ" . قال : فتزوجها عبادةُ بنُ الصامتِ بعدُ ، فغزا البحرَ فحملها معه ، فلما أن جاءت قُرِّبت لها بغلةٌ ، فركبتْها ، فصرعتْها ، فاندقّتْ عنقُها ..!
وهناك حالات أكثر وضوحاً كانت تنتابه خلال الوحي تشبه حالات الصرع التي صورها القرآن بقوله :"كالذي يتخبطه الشيطان من المس" ..فهذه الحالة تماماً حصلت لمحمد مراراً  ، حيث في الحديث قَالَتْ عَائِشَةُ: " وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا " .رواه البخاري ومسلم ..وعن زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قال : " ... فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي " .رواه البخاري...
كما إن الحالة النفسية المريعة التي عاشها محمد مع الوحي لا تنبيء إلا عن حالة نفسية صعبة خالية من السكينة التي يتصف بها المؤمنون ففي صحيح البخاري يصف حاله بقوله :" وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ"
وهناك على سبيل المثال ظاهرة معروفة يرويها محمد بنفسه في صحيح مسلم فيقول:" إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسلم عليّ قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن" ..وهو هنا يسجّل اعترافاً واضحاً بأحد أعراض انفصام الشخصة الأكثر وضوحاً.
 ومن الطبيعي أن يُعرف بين أقاربه بهذا ، ولذلك فإن ابن عباس ربما يكون نقل قصة "الشيطان الأبيض" عن أبيه العباس وأعمام محمد  مما عرفوه عنه في طفولته وشبابه المبكر، ومن المعروف عند العرب في الجاهلية إن كهانهم كانوا يستعينون برئي من الجن،  ولذلك كانوا يقولون لمحمد " إن كان الذي يأتيك رئياً من الجن طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ"...
وكُتب السيرة تروي ذلك في هيئة المساومات والمفاوضات بينما هو كان في سياق مساعدته عندما اشتد عليه المرض، وخديجة ساعدته في إنكار المرض وتحويله إلى نبوة وطموح سياسي إصلاحي يتناسب مع مكانته الإجتماعية، رغم إن هذا الطموح سبب المشاكل لقريش ولأقارب محمد على حدٍّ سواء.

من الشخصيات المعاصرة التي تفسر سلوك محمد وتشبهه في بعض المراحل شخصية الرئيس معمر القذافي، فالطموح العالمي والمرض النفسي يندمجان في هاتين الشخصيتين، وفي مراحل القذافي الأخيرة تجلت مظاهر الجنون بشكل واضح حتى إنه أصبح لا يثق في أحد، وهي مرحلة أُصيب بها محمد أيضاً حتى إنّه اخترع قائمة المنافقين الوهمية، وأصبح يستقبل الوشايات ويستعين بالجواسيس ثم يدّعي إن الله يخبره بهذه المعلومات مع إن القرآن يسجل بوضوح استعانته بأولئك الواشاة :" وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ". فكيف يحتاج مثل هذا النبي للوشاة والجواسيس إذا كان يستعين بالله حقاً ؟!
السبب البسيط لذلك إن الجن والشياطين يزيدون من حدة الوساوس، ولا يخبرون صاحبهم بمعلومات مفيدة بخلاف الملائكة التي من المتوقع أن تهدي إلى الطريق الصحيح من دون إثارة الشكوك في أحد.
 ويمكن تحليل حادثة معروفة في السيرة لتعلم صحة ما ذكرته:
في كتاب "الروض الأنف" : خَرَجَ رَسُولُ الله إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اللّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، لِلْجِوَارِ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ عَقَدَ لَهُمَا ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي عَامِرٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ . فَلَمّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ قَالُوا : نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ نُعِينُك عَلَى مَا أَحْبَبْت ، مِمّا اسْتَعَنْت بِنَا عَلَيْهِ . ثُمّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ فَقَالُوا : إنّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ - وَرَسُولُ اللّهِ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ - فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحَنَا مِنْهُ ؟ فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ عَمْرَو بْنَ جِحَاش بْنِ كَعْبٍ أَحَدُهُمْ فَقَالَ أَنَا لِذَلِكَ فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ (ولا دليل على علم محمد أو أصحابه بهذه التفاصيل على فرض حصولها) وَرَسُولُ اللّهِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيّ ، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ الْخَبَرَ مِنْ السّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمّا اسْتَلْبَثَ النّبِيّ أَصْحَابَهُ قَامُوا فِي طَلَبِهِ فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ " رَأَيْته دَاخِلًا الْمَدِينَةَ " . فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ حَتّى انْتَهَوْا إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ ، بِمَا كَانَتْ الْيَهُودُ أَرَادَتْ مِنْ الْغَدْرِ بِهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ بِالتّهَيّؤِ لِحَرْبِهِمْ وَالسّيْرِ إلَيْهِمْ.

فلو كان المخبر الحقيقي هو الله فلماذا لم ينبهه إنهم أعداؤه لكي لا يطلب منهم هذه الإعانات المادية ؟ ولا أحد منطقياً وأخلاقياً يستسيغ هذه النقلة الغريبة بين موقف المحتاج والمتوسل للمال ثم المعلن للحرب بدون سابق إنذار في ظرف سويعاتٍ قليلة... إلا إذا افترضنا إن الرجل كان مختلاً عقلياً !!.....

------------------------

(1) فتح القدير للشوكاني.

(2)  قال الألباني : صحيح موقوف على ابن مسعود  .. ويظهر الخوف المبالغ فيه من قتل الجن في رواية عن عائشة وهي مما أخرجه أبو الشيخ وابن أبي الدنيا أن عائشة أمرت بقتل جان أو حية فقيل لها إنه ممن استمع الوحي مع النبي فتصدقت باثني عشر ألف درهم وفي رواية : أعتقت أربعين رأساً وذلك لأنها إنما فعلت ذلك تورعاً كما هو ظاهر ( الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي).. وحين نعلم إن عائشة قد شاركت في قتل آلاف المسلمين في معركة الجمل وهي أكثر الحروب دموية في تاريخ الخلافة الراشدة ولم تفكر في دفع فدية أو كفارة أو حتى استغفار أو توبة نعلم عندها مدى تأثير عقيدة خرافية غريبة كعقيدة "الجن المسلم" بحيث إن الخوف الناتج من القتل لا يمكن أن يكون نابعاً من شعورٍ بالذنب بقدر ما هو خوف من عقوبة الجن المسلم!!.

(3) التفسير المظهري

(4) روي عن ابن مسعود أن النبي  قال:"أمرت أن أتلو القرآن على الجن، فمن يذهب معي؟ فسكتوا، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، ثم قال عبد الله بن مسعود: أنا أذهب معك يا رسول الله، فانطلق حتى جاء الحجون، عند شعب أبي دب، فخط علي خطاً فقال: لا تجاوزه، ثم مضى إلى الحجون، فانحدر عليه أمثال الحجل، يحدرون الحجارة بأقدامهم يمشون يقرعون في دفوفهم كما تقرع النسوة دفوفها، حتى غشوه فلا أراه، فقمت: فأوحى إليّ بيده أن أجلس، فتلا القرآن، فلم يزل صوته يرتفع، ولصقوا بالأرض حتى ما أراهم، فلما انفتل إليّ قال: أردت أن تأتيني؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما كان ذلك لك، هؤلاء الجن أتوا يستمعون القرآن، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، فسألوني الزاد، فزودتهم العظم والبعر، فلا يستطيبن أحدكم بعظم ولا بعر" .(تفسيرالماوردي-تفسيرالقرطبي-تفسيرالرازي)
وقد جاء من طرق هذا الحديث:"ثم انطلق – أي ابن مسعود – حتى قام عليَّ أي رسول الله فافتتح القرآن، فجعلت أرى أمثال النسور تهوي وتمشي في رفرفها، وسمعت لغطاً وغمغمة، حتى خفت على النبي ، وغشيته أسودة كثيرة، حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين، ففرغ النبي مع الفجر فقال: أنمت؟ قلت: لا والله، ولقد هممت مراراً أن أستغيث بالناس، حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول: اجلسوا، فقال: لو خرجت لم آمن عليك أن يخطفك بعضهم، ثم قال: هل رأيت شيئاً؟ قلت: نعم رأيت رجالاً سوداً مستثفري ثياب بيض، فقال: أولئك جن نصيبين، سألوني المتاع، والمتاع الزاد.."(تفسيرالطبري-تفسيرالبغوي)

(5)  يمكن أن نستخلص من خلال الروايات والتفسيرات لهذه الآية إن معنى قوله "لبداً" لا يحمل إشارات إيجابية ، لذلك تنسبه بعض التفسيرات للمشركين وليس الجن المسلم ففي تفسير "التحرير والتنوير" لابن عاشور :
ولِبَداً " بكسر اللام وفتح الموحدة اسم جمع : لِبْدة ، وهي ما تلبد بعضه على بعض ، ومنه لِبْدَة الأسد للشعر المتراكم في رقبته .
والكلام على التشبيه ، أي كاد المشركون يكونون مثل اللَبد متراصين مقتربين منه يستمعون قراءته ودعوته إلى توحيد الله . وهو التفاف غيظ وغضب وهممٍ بالأذى كما يقال : تأَلبوا عليه .

 (6)  في السيرة النبوية لابن هشام : ذكر محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن محمد بن كعب القرظي قصة خروج رسول الله إلى الطائف ودعائه إياهم إلى الله عز وجل، وإبائهم عليه. فذكر القصة بطولها، وأورد ذلك الدعاء الحسن: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي" إلى آخره. قال: فلما انصرف عنهم بات بنخلة، فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من أهل نصيبين.

(7) في السيرة النبوية لابن كثير :"وذلك أن أبا جهل لعنه الله، رأى رسول الله  في المسجد الحرام وهو جالس واجم.
فقال له: هل من خبر ؟ فقال: نعم.
فقال: وما هو ؟
فقال: إنى أسرى بى الليلة إلى بيت المقدس.
قال: إلى بيت المقدس ؟ قال: نعم.
قال: أرأيت إن دعوت قومك لك لتخبرهم، أتخبرهم بما أخبرتني به ؟ قال: نعم.
فأراد أبو جهل جمع قريش ليسمعوا منه ذلك، وأراد رسول الله  جمعهم ليخبرهم ذلك ويبلغهم.
فقال أبو جهل: هيا معشر قريش، وقد اجتمعوا من أنديتهم.
فقال: أخبر قومك بما أخبرتني به.
فقص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، وأنه جاء بيت المقدس هذه الليلة وصلى فيه.
فمن بين مصفق وبين مصفر تكذيبا له واستبعادا لخبره، وطار الخبر بمكة."
أما موقف  ام هانيء ففي سيرة ابن هشام : قال محمد بن إسحاق : وكان فيما بلغني عن أم هانئ بنت أبي طالب ، واسمها هند ، في مسرى رسول الله أنها كانت تقول ما أسري برسول الله  إلا وهو في بيتي ، نام عندي تلك الليلة في بيتي ، فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله  فلما صلى الصبح وصلينا معه قال يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه فتكشف عن بطنه كأنه قبطية مطوية فقلت له يا نبي الله لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ، قال والله لأحدثنهموه . قالت فقلت لجارية لي حبشية ويحك اتبعي رسول الله حتى تسمعي ما يقول للناس وما يقولون له .




الأحد، 12 فبراير 2017

المغيرة بن شعبة .. سيرته بين الغدر والنكاح


المغيرة بن شعبة … من أقذر الشخصيات الإسلامية على الإطلاق ..
تصفه كتب السيرة كرجل وصولي انتهازي امتهن الغدر بأقذر صوره...
كان مزواجاً (1)ولم يمنعه كبر سنه من الوقوع في الزنا ثم الإفلات من حكم الرجم بطريقة خبيثة ...
ومع ذلك يظل أحد كبار الصحابة الذين "رضي الله عنهم ورضوا عنه"...  وظل مقرباً لدى محمد وخليفته عمر حتى إنه أصبح والياً على الكوفة في عهده وعهد عثمان .. 
لم يكن نكرةً في الحديث والفقه بل تلقّف منه المسلمون بعض الأحاديث والأحكام ، منها الدعاء المشهور الذي يقرأونه بعد انتهاء كل صلاة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» ..

فمن هو المغيرة ..؟!

 المغيرة وما أدراك ما المغيرة..ماذا تقول عنه كتب السيرة؟!
لم يهده الله للإسلام بسبب كرمه أو انسانيته..
وإنما هداه للإسلام بعد أقذر وأخبث عملية غدر يقوم بها إنسان..
جمع في هذه العملية أخس الصفات من الحسد إلى الخبث والغدر..
 كان قومه في ثقيف من سدنة اللات ، وكان بعض بني مالك من جيرانه في الطائف يريدون الوفود على المقوقس وإهداء هدايا له فأراد الخروج معهم ، فاستشار عمه «عروة بن مسعود» فنهاه لأنه لم يكن من أقاربهم ولم يكن أحدٌ من قبيلته معهم ،ولكنه أصرّ على الذهاب، فذهب واستعمل حيلته وذكاءه -كما ادّعى حسب روايته- ليقربهم من المقوقس، مما جعلهم يحظون بالهدايا والإكرام بينما أهمل المغيرة وازدراه وهو مالم يتوقعه ولم يعجبه فأكله الحسد وقرر أن يقتل رفاقه وهم راجعون الى بلادهم، وفعلاً قام خلال عودتهم بسقيهم الكثير من الخمر حتى أهمدتهم الكأس وناموا ،يقول المغيرة:"جعلت أصرف لهم وأترع لهم الكأس ، فيشربون ولا يدرون ، حتى ناموا سكراً ، فوثبت ، وقتلتهم جميعا ، وأخذت ما معهم" .
فذهب الى محمد في المدينة ومعه المسروقات ليشهر اسلامه ويتخلص بذلك من ملاحقة المطالبين بالقصاص.. 
رحّب به محمد قائلاً: «الحمد لله الذي هداك للاسلام»،  ثم سأله أبوبكر: «ما فعل المالكيون (يقصد رفاقه)؟ » ..قال: «قتلتهم، وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول الله ليخمسها».
فقال له محمد: «أما إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئا، لان هذا غدر، ولا خير في الغدر» .
وهذه بادرة جيدة من محمد وإن كان المفروض أن يدفع دية القتلى ويرجع الأموال ولا تذكر السيرة إنه فعل ذلك ..
قال المغيرة :« إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت الساعة».
فرد عليه : « فإن الاسلام يجب ما كان قبله » !!. 
وتطبيق هذا المبدأ بهذا الشكل يهدر الحقوق ويسهّل على المجرمين الإفلات من العقاب، لذلك يمكننا أن نستنتج أن أغلب من التحق بمحمد في تلك الفترة  كان من المجرمين وقطاع الطرق الذين يريدون أن يتخلصوا من تبعات أعمالهم !
وبالتالي تخلص المغيرة من المطالبين بالقصاص بينما تورّط عمه «عروة بن مسعود»  الذي تركه في ثقيف في دفع ديات القتلى ، ثم تشاء الصدف في صلح الحديبية أن يكون عمه هذا هو المفاوض عن كفار قريش.. 
حيث تروي الأحداث أنه خلال محاورة عروة بن مسعود مع محمد اقترب من منطقة محرمة وتطاول بوقاحة على مكانة النبوة فجعل يمس لحية محمد، وكان المغيرة قائماً على رأس محمد كالحارس وهو لا يعرفه لأنه كان مرتدياً قناع حديدياً لا يظهر وجهه، فقال لعمه محذراً  : «كفّ يدك قبل أن لا تصل إليك»..
فقال عروة: «من ذا يا محمد ؟ ما أفظه وأغلظه»، قال: «ابن أخيك»، فقال: «يا غُدَر ( و"غُدر" تصغير لفظة غادر)، والله ما غسلت عني سوأتك إلا بالامس» .. (يقصد الديات التي دفعها عن القتلى)
ونلاحظ في قصة المغيرة عدة أمور..

 الأول: -  ثقة محمد فيه رغم غدره وجعله حارساً شخصياً بعد إسلامه..

الثاني: -  إن نفاق الرجل الواضح يجعله يسعى للتقرب الى محمد بشكل سريع قبل أن تتوطد العلاقة بينهما..

الثالث:-  شخصية الداهية « الوصولي» المتزلف الذي يكلّف نفسه العناء لأجل الوصول إلى الأمراء والملوك بأي وسيلة وهناك عدة أمثلة تثبت هذا (2).. 

الرابع : - طريقة الغدر في المجزرة التي ارتكبها تنم عن شخصية خبيثة الطوية ومنعدمة الضمير..

ومن أمثلة غدره وخبثه ما حدث خلال حصار المسلمين للطائف وهي موطنه الأصلي، حيث كان مع المحاصرين بينما  كان "أبو محجن" أحد الرماة المهرة من أهل الطائف على رأس الحصن يرمي  المسلمين، فقال رجل من  مزينة لصاحبه :"إن افتتحنا الطائف فعليك بنساء بني قارب فإنهن أجمل إن أمسكت ، وأكثر فداء إن فاديت" . فسمعه المغيرة بن شعبة فقال :"يا أخا مزينة".. قال:" لبيك".. قال:" ارم ذلك الرجل" (يعني أبا محجن)، وإنما غار المغيرة حين ذكر المزني نساء قبيلته، وعرف أن أبا محجن رجل رام لا يسقط له سهم ، فرماه المزني  فلم يصنع سهمه شيئا ، فردّ عليه أبو محجن بسهم فوقع في نحره فقتله ، فقال المغيرة شامتاً :"منّى (أي أطمعَ) الرجال بنساء بني قارب" ، فقال له عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، وهو يسمع كلامه أوله وآخره:" قاتلك الله يا مغيرة أنت والله عرضته لهذا ، وإن كان الله تبارك وتعالى قد ساق له الشهادة .. أنت والله منافق . والله لولا الإسلام ما تركتك حتى أغتالك".. وجعل المزني يقول :"إن معنا الداهية وما نشعر.. والله لا أكلمك أبداً".. فطلب المغيرة من المزني أن يكتم ذلك عليه فرفض.. والحادثة تبين مدى خبث طوية هذا الرجل التي طالما تم تلميعها بوضعها تحت بند الدهاء والتخطيط السليم ، حيث كان يقال الدهاة أربعة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد. فتفاصيل مثل هذه حصلت أيضاً مع عمرو بن العاص ومعاوية وخالد بن الوليد ولكن عقل المسلم يرفض تحكيم العقل والضمير عليها ويتعامل معها كأنه يتعامل مع مقلب بسيط يؤكد خفة دم ذلك الصحابي.

أما كونه نكّاح للنساء وزانٍ ، فقد عُرف بحادثة الزنا المشهورة التي تؤكد عقم الشريعة الإسلامية وغباءها وبلادتها، حيث لا تسمي الزنا زناً إلا إذا رأى الشهود "الذكر يدخل في الفرج" (وعذراً للألفاظ ولكن اللفظ الإسلامي قد لا يكون واضحاً فالحديث يقول :"المرود في المكحلة" وهو نفس المعنى )... وبالتالي إذا مارس اثنان العلاقة الجنسية أمام الناس وفي وضح النهار فإنه لا يسمى زنا حتى يرون الأعضاء الجنسية وهي تتداخل وهو أمر شبه مستحيل عملياً، ولو رماهم أحد الناس بالزنا وشكا أمرهم إلى ولي الأمر فإنه سينال حد الجلد لأنه رمى المحصنين والمحصنات بما ليس فيهم ..وهو بالضبط ما حصل مع الصحابة الأجلّاء الذين رموا المغيرة بهذا الجرم ..
القصة موجودة في كتب الحديث وصحيحة بمجملها لكننا لن نكتفي بذلك بل سنسرد بعض التفاصيل المتنوعة من الكتب الأخرى والتي توضح ملابسات الموضوع  وإن كان الجزم بدقة التفاصيل متعسّراً لكثرة الكذب والإختلاق في الروايات عموماً، ولكن الذي يرجح صحتها إنها لم ترد في كتب الشيعة الذين طعنوا في المغيرة لعداوته لعلي بن أبي طالب بل في كتب السنة الذين حاولوا الدفاع عنه والإعتذار له قدر المستطاع باعتباره من كبار الصحابة وكونهم يعتمدون على رواياته في فقههم .. فرواياته في الصحيحين رغم إنك قد لا تجد فيهما رواية واحدة للإمام جعفر الصادق (الشيعي) مثلاً أو الإمام أبوحنيفة (السني) ..

تفاصيل القصة ....
 يقال فيما يروى إن المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار الإمارة وسط النهار، وكان "أبو بكرة" يلقاه فيقول له: أين يذهب الأمير؟
فيقول: آتي حاجة. فيقول له: حاجة ماذا؟ إن الأمير يزار ولا يزور.
وكانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة واسمها "أم جميل بنت عمر".  فبينما أبو بكرة في غرفة له مع أصحابه وأخويه نافع وزياد، ورجل آخر، يقال له شبل بن معبد، وكانت غرفة جارته تلك بحذاء غرفة أبي بكرة. فضربت الريح باب المرأة ففتحته. فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها. فقال أبو بكرة: "هذه بلية ابتليتم بها، فانظروا". فنظروا حتى أثبتوا. فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة، فقال له: "إنه قد كان من أمرك ما قد علمت، فاعتزلنا".  فذهب المغيرة ليصلي بالناس الظهر، فمنعه أبو بكرة، وقال له:" لا واللّه لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت".
فقال الناس: دعوه فليصلّ، فإنه الأمير، واكتبوا بذلكم إلى عمر. فكتبوا إليه، فورد كتابه بأن يقدموا عليه جميعا، المغيرة والشهود.
كان الشهود أربعة:"أبوبكرة" ..."نافع بن الحارث"..."شبل بن معبد"... "زياد بن عبيد" أخو أبي بكرة لأمه...
ويقال بعد هذا إن عمر بن الخطاب جلس، ودعا المغيرة والشهود. فتقدم أبو بكرة. فقال له:" أرأيته بين فخذيها"، قال: "نعم واللّه، لكأني أنظر إلى تشريم جدريّ بفخذيها". فقال له المغيرة: " لقد ألطفت النظر". فقال له: "لم آل -أي لم أُقصّر- أن أثبت ما يخزيك اللّه به؟".. فقال له عمر:" لا واللّه حتى تشهد لقد رأيته يلج فيه كما يلج المرود في المكحلة"!!.
ثم شهد شبل ونافع بمثل شهادة أبي بكرة.. حتى جاء زياد (وهو الشاهد الرابع)..  فلما رآه عمر مقبلا قال:" إني لأرى رجلا لن يخزي اللّه على لسانه رجلاً من المهاجرين".. (ولا أدري إذا كانت ذلك من قبيل فراسة عمر أم إنه أراد أن يؤثّر على شهادته بطريقة غير مباشرة)..
ومن الروايات التي تدل على عِظم تأثّر عمر وتعاطفه مع المغيرة رواية الطحاوي حيث تقول :" إنه لما شهد عند عمر الشاهد الأوّل على المغيرة، تغير لذلك لون عمر. ثم جاء آخر فشهد، فانكسر لذلك انكساراً شديداً. ثم جاء رجل شابّ يخطر بين يديه، فرفع عمر رأسه إليه، وقال له: "ما عندك يا سلح العقاب"....الخ" (3)
قال المغيرة: فقمت إلى زياد، فقلت له: "لا مخبأ لعطر بعد عروس". ثم قلت: "يا زياد، اذكر اللّه، واذكر موقف يوم القيامة؛ فإن اللّه وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي، إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر ما رأيت، فلا يحملك شر منظر رأيته على أن تتجاوزه إلى ما لم تر، فو اللّه لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أين سلك ذكري منها"!!!. فترنقت عيناه، واحمرّ وجهه، وقال: "يا أمير المؤمنين، أما أن أحقّ ما حق القوم فليس ذلك عندي؛ ولكني رأيت مجلسا قبيحا، وسمعت نفسا حثيثا وانبهارا، ورأيته متبطّنها"!!. فقال له: "أرأيته يدخله كالميل في المكحلة". فقال: "لا".
وقال غير هؤلاء: إن زيادا قال له:" رأيته رافعا برجليها، ورأيت خصيتيه تتردّدان بين فخذيها، ورأيت حفزا شديدا، وسمعت نفسا عالياً".   فقال له: " أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟".. فقال: "لا". فقال عمر:" اللّه أكبر. قم إليهم فاضربهم". فقام إلى أبي بكرة، فضربه ثمانين، وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد، ودرأ عن المغيرة الرجم. فقال أبو بكرة بعد أن ضُرِب: "فإني أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا". فهم عمر بضربه، فقال له عليّ : إن ضربته رجمت صاحبك(4). ونهاه عن ذلك.
يعني أنه إن ضربه جعل شهادته بشهادتين، فوجب بذلك الرجم على المغيرة.
 واستتاب عمر أبا بكرة. فقال:" إنما تستتيبني لتقبل شهادتي". قال: "أجل". قال:" لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا". فلما ضربوا الحدّ قال المغيرة: "اللّه أكبر، الحمد اللّه الذي أخزاكم"!!. فقال له عمر: "اسكت أخزى اللّه مكانا رأوك فيه".  قال(الراوي): وأقام أبو بكرة على قوله، وكان يقول:" واللّه ما أنسى رقط فخذيها"!!. وتاب الاثنان، فقبلت شهادتهما. 
يذكر "خليل عبد الكريم" هذه الواقعة في كتاب "مجتمع يثرب"(5) بعدة روايات ثم يؤكد :"والخبر مشهور ورد في العديد من كتب السير والتواريخ ولا مطعن عليه - والمغيرة وقت حدوث الواقعة كان والياً للبصرة وهو بلا شك آنذاك قد جاوز الأربعين وقارب الخمسين (على أقل تقدير)  وعنده ولا شك أربع زوجات خلاف الإماء والجواري وملك اليمين ، فكيف كان حاله وهو شاب قوي في العشرين من عمره، ولم يراعِ أنه حاكم المصر وأحد الصحابة الذين يعتبرهم المسلمون قدوة وأسوة !!!".



ومع ذلك لا يستحي هذا الصحابي من هذه الحادثة وعندما يحاول عمر بن الخطاب تذكيره بقصته مع أم جميل فإنه يرد عليه بتعييره بقصته مع ابنة علي الصغيرة أم كلثوم (والتي ذكرنا قصتها في مقال سابق).

يروي الشعبي فيقول :"كانت أم جميل بنت عمر، التي رمي بها المغيرة بن شعبة بالكوفة، تختلف إلى المغيرة في حوائجها، فيقضيها لها.  وواقفت عمر بالموسم والمغيرة هناك، فقال له عمر: أتعرف هذه؟ قال: نعم؛ هذه أم كلثوم بنت عليّ . فقال: له عمر: أتتجاهل عليّ؟ واللّه ما أظن أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أُرمى بحجارة من السماء".


-----------------------------------------------

(1)  يروي ابن عبد البر في كتابه "الإستيعاب في معرفة الأصحاب" إن المغيرة أحصن ثلاثمائة امرأة في الإسلام ويقال ألف امرأة. ونقل الذهبي عن المغيرة بن شعبة قوله : لقد تزوجت سبعين امرأة أو أكثر .. وهذه من المبالغات بلاشك إلا أذا كان الرجل المعروف بخبثه يلمّح إلى حالات الزنا التي ارتكبها.

(2)   كان المغيرة يقول:« ربما عرق الدرهم في يدي أرفعه ﻟ « يرفأ » (حاجب عمر ) ليسهل إذني على عمر » .. 
...ولذلك كان يقال أول من رشا في الإسلام المغيرة بن شعبة.. وهذا باعترافه شخصياً ، حيث كان يقول:" أنا أول من رشا في الإسلام، جئت إلى يرفأ حاجب عمر وكنت أجالسه فقلت :له خذ هذه العمامة فالبسها فإن عندي أختها ..فكان يأنس بي ويأذن لي أن أجلس من داخل الباب، فكنت آتي فأجلس في القائلة، فيمر المار فيقول إن للمغيرة عند عمر منزلة ،إنه ليدخل عليه في ساعة لا يدخل فيها أحد"(الإصابة لابن حجر ج 6 ص 197).. وهذا يدل على عدم صحة القصة الشهيرة "عدلت فأمنت فنمت يا عمر".. فهذا المغيرة من أصحاب بيعة الرضوان ولم يستطع الدخول على عمر إلا باستخدام الرشوة ...

(3)  أخرجه الطحاوي من طريق السري بن يحيى قال : ثنا عبد الكريم بن رشيد عن أبى عثمان النهدي قال : " جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه فشهد على المغيرة بن شعبة فتغير لون عمر ، ثم جاء آخر . فشهد فتغير لون عمر ، ثم جاء آخر فشهد ، فتغير لون عمر ، حتى عرفنا ذلك فيه ، وأنكر لذلك ، وجاء آخر يحرك بيديه ، فقال : ما عندك يا سلخ العقاب ، وصاح أبو عثمان صيحة تشبهها صيحة عمر ، حتى كربت أن يغشى على ، قال : رأيت أمرا قبيحا ، قال الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأمر بأولئك النفر فجلدوا " . قال الألباني : وإسناده صحيح ، ورجاله ثقات غير ابن رشيد وهو صدوق وقد توبع.

(4) أخرج ابن أبي شيبة وعنه البيهقى عن قسامة بن زهير قال : " لما كان من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان - وذكر الحديث - قال : فدعا الشهود ، فشهد أبو بكرة ، وشبل بن معبد ، وأبو عبد الله نافع ، فقال عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة : شق على عمر شأنه ، فلما قدم زياد قال : إن تشهد إن شاء الله إلا بحق ، قال زياد : أما الزنا فلا أشهد به ، ولكن قد رأيت أمرا قبيحا ، قال عمر : الله أكبر ، حدوهم ، فجلدوهم ، قال : فقال أبو بكرة بعدما ضربه : أشهد أنه زان ، فهم عمر رضى الله عنه أن يعيد عليه الجلد ، فنهاه على رضى الله عنه وقال : إن جلدته فارجم صاحبك ، فتركه ولم يجلده " . قال الألباني : وإسناده صحيح .

(5)  كتاب "مجتمع يثرب" ص 57-60.